«كورونا» وعادات العمل

00:51 صباحا
قراءة دقيقتين

حدّثني شاب يعمل مصرفياً أنه صُدم حين صدر تعميم من البنك الذي يعمل فيه لجميع العاملين بالعودة إلى العمل من المكاتب، وانتهاء مرحلة العمل من المنازل، بعد التحسن الملحوظ في السيطرة على تفشي جائحة «كورونا». ومردّ الصدمة أنه ألِف العمل من المنزل لمدة أكثر من عام ونصف العام، حتى حسب أنه لا عودة للمكاتب بعد اليوم، وأن عمله سيستمر من المنزل. وراح هذا الشاب يعدد لي «مزايا» العمل من المنزل، على سبيل المثال فإن ذلك وفرّ له نحو أكثر من ساعة نوم إضافية في الصباح، هي التي كانت تلزمه لارتداء ملابس العمل، وقطع المسافة بالسيارة بين بيته ومقر البنك الذي يعمل فيه، كما حكى تفاصيل أخرى تندرج في باب تلك «المزايا».
شعور هذا الشاب هو بالأحرى شعور ملايين مثله في العالم كله، اعتادوا العمل من منازلهم بعد أن عمّت الجائحة العالم، ولم يتخيلوا أنفسهم يعودون ثانية لمكاتبهم، حتى وإن وجد من يرى العكس تماماً، أي أولئك الذين يفضلون العودة إلى العمل من المكاتب، لكسر رتابة العزلة والمكوث الطويل في المنازل، لكن في النهاية علينا الإقرار بأن عادات جديدة قد تشكّلت لدى البشر في الفترة الماضية، ولن تكون مهمة العودة عنها بالسهلة، شأنها شأن أي عادات ألفناها.
ستقولون: لكن العمل من المكاتب هو الأصل، هو العادة المألوفة، وما حدث في ظروف الجائحة هو بمثابة الاستثناء والمؤقت أيضاً، وكل ما في الأمر أن الناس عادوا أو سيعودون قريباً إلى مألوف حياتهم الذي كان قبل أن تجتاح العالم الجائحة. وسنرد بمثال الشاب المصرفي الذي ما زال غير راغب في العودة للعمل من مكتبه، وكل من هم مثله.
يتعين الإقرار بأن «كورونا» كما تركت آثارها في مجالات مختلفة من حيواتنا، وفي أوجه سلوكنا، تركت آثاراً لا يستهان بها حول علاقتنا بالعمل وشكل هذه العلاقة، وإذا كان الملايين في العالم فقدوا وظائفهم بسبب ما عانته اقتصادات العالم من انحسار، فإن ملايين من البشر وجدوا في الجائحة مناسبة لوقفات مع ذواتهم، بما في ذلك مع طبيعة الأعمال التي يزاولونها، كأن الجائحة نبهتهم إلى أنهم كانوا في الأعمال الخطأ، وأن عليهم التفتيش عن أعمال يجدونها ملائمة أكثر لشخصياتهم وطبيعة اهتماماتهم وطريقة تنظيمهم للوقت.
تذكر بعض الدراسات أن هذا تبدّى أكثر في دنيا النساء العاملات، الأمهات منهن بشكل خاص، اللواتي ازداد الشعور عندهن بالحاجة لأعمال تتيح لهن التوفيق بينها وبين رعاية أطفالهن وتدبير شؤون منازلهن.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"