ليبيا على مفترق طرق

00:23 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

كانت ليبيا خلال العقد الأخير في بؤرة مراكز صناعة الحدث عالمياً، وتحديداً منذ ثورة 17 فبراير/شباط 2011 الفاشلة، والتي لم تحقق من أهدافها سوى وضع نهاية دموية لحقبة حكم معمر القذافي. الأسبوع الماضي تحولت ليبيا إلى المركز الأهم لصناعة الحدث، وتصدرت أخبارها وسائل الإعلام العالمية والعربية، منذ مؤتمر باريس الذي أكد رغبة زعماء العالم في أن تتجاوز ليبيا أزماتها وتنهي الحقبة الأسوأ في تاريخها المعاصر وتودع مرحلة التصارع وتستعيد وحدتها وتتخلص من أزماتها المتعددة بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المقرر الشهر المقبل.

الزعماء الذين شاركوا في مؤتمر باريس يدركون جيداً أن ليبيا دخلت المرحلة الأصعب، ويعون أن الأيام المقبلة ستكون فارقة في حياة الليبيين، فإما أن تتم الانتخابات ويختار الشعب الرئيس والبرلمان الذي يريد، وإما أن تفرض الميليشيات المسلحة تأجيل الانتخابات وتأخذ البلاد إلى فوضى لا تختلف عن تلك التي أعقبت سقوط نظام القذافي، ولذا جاء البيان الختامي لمؤتمر باريس محذراً من أي محاولات لعرقلة العملية الانتخابية، ومقرراً «مساءلة من يتورطون في تعطيل أو التلاعب في الانتخابات، وتسليم السلطة على نحو ديمقراطي للسلطات والمؤسسات المنتخبة الجديدة»، لكن البيان غفل عن تحديد الآلية التي ستتم بها المساءلة حتى لا يكون مجرد حبر على ورق.

عقب انتهاء مؤتمر باريس، كان لا بد من أن يصبح اللعب على المكشوف بين الأطراف المختلفة، سواء الطامعة في السيطرة على مقدرات البلاد أو الطامحة في انتشال ليبيا من المستنقع الذي غرقت فيه، وكانت البداية تقديم سيف الإسلام القذافي أوراق ترشحه للرئاسة، وهي الإطلالة الأولى منذ سقوط نظام أبيه، والأولى له بعد القبض عليه وإصدار أحكام قضائية ضده وشموله بقرار العفو النيابي وطلبه للمثول أمام الجنائية الدولية.

سيف الإسلام، لم يتحدث بعد تقديم أوراق ترشحه، واكتفى بتلاوة آية قرآنية، لكن ظهوره بعث بالعديد من الرسائل الصامتة إلى كل من يهمهم الأمر في الداخل والخارج، وأول هذه الرسائل اعتزازه بكونه ابن القذافي وهو ما عبر عنه بارتدائه عباءة وعمامة تتطابقان مع عباءة وعمامة والده في مناسبات عدة وفي إطلالته الأخيرة بشكل خاص، وثقته في أن قطاعاً من الشعب الليبي يلتف حوله وسيصوت له هرباً من واقع سيئ تعيشه ليبيا، ورسالة تفيد بأنه مدعوم من قوى دولية تأمل في قدرته على تحقيق ما عجزت عنه حكومات الفترة الانتقالية، ورسالة تحدٍ للميليشيات المسلحة التي تستهدف حياته وتعجز عن الوصول إليه، ورسالة عدم اكتراث بالملاحقات القضائية والجنائية له.

ترشح سيف الإسلام ليس مفاجئاً، فقد مهدت له خلال الأشهر الأخيرة دول بشكل عابر مرات عدة، ورفضته دول أخرى، كما تم التمهيد له داخلياً بالسعي لترسيخ ثقافة الصفح والتسامح بشأن خطايا الماضي السياسية شعبياً، وإقرار حق الترشح والانتخاب لكل ليبي بصرف النظر عن انتماءاته السياسية أو القبلية أو المناطقية، ولولا أن شروط الترشح تنطبق عليه ما أقدم على هذه الخطوة.

لا شك أن ترشح القذافي الصغير قد أشعل غضب الميليشيات «الإخوانية»، ثم جاء ترشح المشير خليفة حفتر ليزيدها اشتعالاً، وهو الغضب الذي يؤكد أن في ليبيا من لا يريدونها دولة لكل الليبيين، ولا يبغونها سوى عزبة خاصة بهم، قوانينها مفصلة على مقاسهم، وسلطاتها لا ينازعهم فيها أحد، وثروتها لهم وحدهم دون غيرهم.

التصريحات السياسية الصادرة عن أصحاب السلطة في ليبيا تعكس تناقضاً في الرؤى والمواقف وهو ما يثير قلقاً بشأن الغد القريب، ويؤكد أن إجراء الانتخابات في الموعد المحدد ليس يقينياً، وأن البعض يسعى لتفخيخ العملية السياسية برمتها، ولو حدث ذلك فسيجر وراءه المزيد من الانقسامات والصراعات والفوضى؛ إذ صرح رئيس الحكومة المؤقتة عبدالحميد الدبيبة مؤخراً بأن «الشعب الليبي يريد الانتخابات، لكن ليس بالقوانين المعيبة والمفصلة على مقاس بعض الأشخاص؛ بل بقاعدة دستورية يتفق عليها الجميع»، و«يبشر» خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة بحرب أهلية في حال تم إجراء الانتخابات بالشروط الحالية، في حين أن محمد المنفي متفائل بإجراء الانتخابات في موعدها.

التناقض في تصريحات الساسة وفي أفعال القوى السياسية على الأرض يؤكد أن ليبيا على فوهة صفيح ساخن، فالمشهد مرتبك، والميليشيات تشهر سلاحها في وجه شركاء الوطن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"