التفكير الاستراتيجي للاقتصاد

21:05 مساء
قراءة 4 دقائق

د. عبد العظيم حنفي *
بدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية عام 1941، تمت صياغة الاقتصاد التقني داخل خدمات وقت الحرب وتمت إعادة تنظيمه بطريقة مكثفة. وفي العديد من المراكز حول البلاد. شمر الاقتصاديون عن سواعدهم وذهبوا إلى العمل. في جامعة كولومبيا بنيويورك عملت مجموعة الأبحاث الإحصائية على رياضات الاحتمالات، واخترعت تلك المجموعة، ضمن أشياء أخرى، طرقاً أفضل لاكتشاف القنابل والقذائف المدفعية التي لا تعمل بشكل جيد. وكان سعي جامعة برينستون للتوصل إلى اختراع آلة للجمع تعمل بشكل أفضل هو الذي أدى للوصول إلى الحاسوب المركزي.
ولكن الدراما التى صاحبت مهمة زمن الحرب التي تكشفت في جامعة شيكاجو هي التي أسرت خيال مهنة الاقتصاد. وقد انسحبت لجنة «كولز» الى شيكاجو آتية من منابع كولورادو البعيدة عام 1939 وأعادت تنظيم نفسها لتصبح مؤسسة. وتشاركت في مساحة المكتب مع قسم الاقتصاد. ومع اندلاع الحرب تلقت اللجنة مهمة جديدة من الحكومة: وهي بناء نموذج اقتصاد قياسي عامل للاقتصاد الأمريكي. وخلال السنوات العشر التالية تشكل كثير من مستقبل الاقتصاد في «كولز». وهناك بدأ التفريق بين جدائل الاقتصاد: إلى الكينزيين والاقتصاد الكلي والاقتصاد القياسي، والاقتصاد الرياضي. ونظرية اللعبة The Game Theory، كان ذلك بإحدى الطرق حركة «بعيدة عن الكرة»، بمعنى أن معظم الأعين في تلك الفترة قد ركزت على ما كان سيقوله مهندسو كينز في «كامبريدج» وماساتشوستس حيال المشاكل المالية للحرب.
كانت فكرة النموذج الرياضي نفسه على الأرجح هي أكثر الابتكارات التي ارتبطت بلجنة كولز في شيكاجو تميزاً إلى جانب التوظيف السريع لأسباب الاقتصاد الكلي الكينزي، ويبدو أن المستوى الجامعي لمادة التفاضل أعطى طريقة لتوضيح الافتراضات حتى أصبحت غير متناقضة بشكل تام. حيث تم استبدال الكلمات المشحونة عاطفياً بمصطلحات ذات معنى واضح بشكل لا مناص منه. حيث كانوا يرون العالم على أنه حل لمعادلة تم وضعها وكانوا يهدفون لبناء نموذج يمكنه العمل وتخيل الإمساك برفاهة الاقتصاد في كفوف أيديهم والانتصار في الحرب أيضاً. وحل مصطلح» النموذج «منذ وقت طويل محل مصطلح» الافتراض «في معظم مراكز الأبحاث..» إذا لم يكن لديك نموذج فأنت غير مؤهل للدخول في النقاش.
ثم كان هناك الاقتصاد القياسي. كانت الفكرة في تزويج الاقتصاد والإحصاء، وتم إثبات أن مجيء الطرق الإحصائية كان أكثر نواحي التطور المفيدة في الرياضيات منذ ظهور التفاضل. الكثير من نواحي الحياة كانت فرصاً. وأدركت لجنة كولز«أنها كانت معرضة للخطأ العشوائي. فأي نظام من المعادلات التي تصف التوازن سيكون معرضاً لأشياء تحدث عشوائياً (الصدمات الدراسية) تعارضت مع الافتراضات الاقتصادية البحتة والتي يمكن أن تمنع المتغير من أن يتخذ الشكل الذي فرضته النظرية. كيف يمكن أن تصل إلى القياس الأفضل للسبب والأثر في عالم على هذا القدر من التعقيد؟ وكان للمجال الفرعي لتحاليل الانحدار تاريخ طويل بالفعل في الإحصاء كوسيلة للتفريق بين السبب والأثر. ولوصف الارتباط بين أحد المتغيرات بالآخر في جميع المجالات. وقام الاقتصاديون بتكييف الأداة لدراسة مشاكلهم.
كان الاقتصاد الرياضي تطوراً ثالثاً بالغ الأهمية نابعاً عن كولز. في حقيقة الأمر أدى إلى أول إنجاز واضح للفريق – وهو التوصل إلى تقنية لحل مشكلة الشحن، وهي مشكلة إيجاد الطريق الأفضل بين عدد من المقاصد النهائية، مع وضع السفن المناسبة في الاعتبار، وطاقم الشحن، والشحنات، وتسهيلات الميناء، وما إلى ذلك.( وفي أوقات السلام عرفت تلك المشكلة على أنها مشكلة رجل المبيعات المسافر).
وفي عام 1947 اكتشف عالم الرياضيات جورج دانتزيج ما أصبح بعد ذلك أفضل طريقة على الإطلاق للحصول على أكبر قدر من الإنتاج باستخدام أقل قدر من المدخلات وقام بحساب التبادلات المتنوعة على مدار الطريق. وقد اطلق على تلك التقنية الطريقة البسيطة.
ووصفها كالتالي «تسلق العمود الداعم لكرم العنب» والذي استعان بمثال موجود في حديقة أي مطبخ بسيط في ذلك الوقت، كان الجوهر الذي ظهرت عليه سلسلة حسابات «دانتزيج» عندما ظهرت على ثلاثة أبعاد. هذا العمود الداعم لكرم العنب كان جسماً هندسياً، عبارة عن مضلع متعدد الرؤوس وكان القائم على حل المسألة يدور خارجها، متفقداً كل ركن، مستديراً حول هذا الطريق وطريق آخر، متحركاً كل مرة من زاوية وإلى التالية ودائماً في اتجاه الوصول إلى حل أفضل بالدوران حول المحور، ثم التسلق حتى تصعد لأعلى وتتسلق العمود الداعم لكرم العنب، أطلق الاقتصاديون على الجسم الرئيسي لتقنيتهم الحديثة البرمجة الخطية لأن معادلاتها أنتجت أشكالاً ذات خطوط مستقيمة لوصف مشاكل الإنتاج والمشاكل اللوجستية. كان التخطيط له صبغة غير مرغوب فيها. ألم يكن التخطيط هو محور الشيوعية؟ ما الذي كانوا يفعلونه وأسماه الاقتصاديون بمكر «البرمجة»، بما أن جميع الخطط العسكرية كانت تسمى برامج على أي حال. وقد وفرت البرمجة الخطية أساساً للتطبيقات بدءاً من إدارة التعقيدات المذهلة المرتبطة بمصافي النفط الحديثة ووصولاً إلى السيطرة على جميع العمليات الخاصة بأسطول مكون من طائرات تجارية، ابتداء من الحجز على متن الطائرة، وحتى متطلبات تمويل الطائرة بالوقود. بالنسبة للاقتصاديين طريق مختصر لرؤية عالمية شاملة للاقتصاد، وهي معالجة جميع الأشياء وفي الوقت نفسه. أما الأمر الرابع والأبعد أثراً في المدى بالنسبة لجميع أعمال كولز فهو نشر نظرية الألعاب والسلوك الاقتصادي عام 1944 وهو الكتاب الذي خصص لافتراض أن الناس أذكياء ويمكن التوصل لوصف صارم لتوقع وتأثير أفعالهم على بعضهم بعضا (من الأفضل إطلاق مسمى الفكر الاستراتيجي على نظرية اللعبة) حيث تم عمل ورقة بحثية مبكرة حول المبادئ التي ترتكز عليها ألعاب المؤسسات التجارية وهكذا تم تقديم التفكير الاستراتيجي للاقتصاد. كان من الواضح أن هناك العديد من الصفات المشتركة بين ألعاب بعينها وبعض أوضاع ومواقف الأعمال، مع وجود استراتيجيات فردية صارمة أيضاً كالتي تتعلق بتكوين التحالفات. وكانت جميع الجدائل الأربع للحركة الحديثة ممثلة في لجنة كولز ب«شيكاجو». 

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"