عادي
سحر الشكل يرتقي بالمعنى

العمارة إجابة عن سؤال الروح في «الفنون الإسلامية»

23:49 مساء
قراءة 4 دقائق
«وصف التدرج» لعبدالله الملا

الشارقة: عثمان حسن

تميزت العمارة الإسلامية بخصائص فريدة من الناحيتين الجمالية والفكرية، وشكلت على مدى قرون من نشأة الحضارة الإسلامية، طابعاً خاصاً اتسمت به كافة تصاميم هذه العمارة من حيث تلبيتها لحاجات ورغبات الإنسان، وأيضاً من حيث الفلسفة العامة لهذه العمارة، في سعيها للبحث عن الجمال الخالص، وهو جمال روحي، أخذ بأسباب الحياة، فأبدع الكثير من التراكيب والزخارف المعمارية التي تجلت فيها، ومن خلالها، قدرة الخالق جل وعلا.

إن من يتابع أشكال وتصاميم العمارة الإسلامية خاصة في المساجد، وما فيها من قباب ومآذن وأعمدة وأقواس ومحاريب، سوف يدهش من التفاصيل المعمارية وتكويناتها، وهي لا شك إبداعات فريدة، تأثرت بها الحضارة الأوروبية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين، وصولاً إلى الزمن الحاضر الذي يشهد تداخلاً وتمازجاً بين الحضارات والفنون.

من يتابع أعمال بعض الفنانين المشاركين في مهرجان الفنون الإسلامية في دورته الرابعة والعشرين سوف يلحظ الكثير من تفاصيل هذه العمارة خاصة في المقرنصات، التي تعتبر من أبرز خصائص العمارة الإسلامية، وفي كافة الأشكال الهندسية من مربعات ودوائر ومكعبات، وما فيها تفاصيل معمارية وزخرفية رائعة الجمال؛ حيث شكل هذا على الدوام، الإطار العام الذي تكونت في ظلاله الحضارة الإسلامية، وما ترمي إليه من من سعي للكمال والجلال والحس الإنساني.

رحلة عكسية

الفنان البريطاني بن جونسون، الحاصل على الزمالة الفخرية من المعهد الملكي للمهندسين المعماريين والذي درس في الكلية الملكية للفنون في لندن، هو أحد المشاركين في المهرجان؛ حيث قدم مساهمة مستوحاة من زيارة يتيمة له إلى غرناطة قبل نحو 30 عاماً، وكانت كافية كما يؤكد لأن تترك أثراً كبيراً في نفسه، وبن جونسون سحر بما يطلق عليه «الهندسة المقدسة» والجمال المطلق لقصر الحمراء، فتتبع الرحلة العكسية من إسبانيا إلى المغرب وإسطنبول وإيران؛ حيث اكتشف المزيج القوي من الشعر والعمارة على جدران حديقة «فين» في إيران، والتي كانت تشكل مصدراً لنظام الري في الحدائق الفارسية.

يقول جونسون في شرحه لعمله المشارك (حديقة فين): «كما أرست هذه الرحلة المادية أسس لوحاتي، كذلك هو هيكل العمل الذي يكمن وراء كل لوحة؛ حيث تؤسس الأيام وربما الأشهر العديدة في رسم العمل، مساراً لإعادة البناء بدقة والتحقيق في الهندسة الأساسية، وبناء معمار العمل من عناصره وأنماطه ومراجعه الشعرية، قبل الوصول إلى اللوحة»، ويتابع: «أنا لا أقوم بتوضيح المباني، وإنما أتفحص وأعرض البنية التحتية الرياضية؛ حيث يؤدي هذا التراكم إلى ظهور اللوحة تدريجياً»، وهذا بطبيعة الحال يتناغم مع شعار «الفنون الإسلامية»– تدرجات - الذي سعى جونسون لاستلهامه.

صمم جونسون عمله، مستوحياً كافة مكونات العمارة الإسلامية وتصاميمها الزخرفية، سواء في الهيكل العام الذي يحتضن بركة المياه، وصولاً إلى بناء الأعمدة والأساسات، وصولاً إلى المنظور الأفقي، الذي يظهر الأبواب والأقواس على نحو ما في العمارة الإسلامية من سحر وجمال ودهشة وروحية.

أسئلة جوهرية

زينب الهاشمي، فنانة مهجوسة بتحولات العمارة الحديثة في الإمارات؛ حيث قدمت في المهرجان عملاً تركيبياً بعنوان «حساسية مفرطة».. أما الفكرة الأساسية لهذا العمل، فتدور حول فكرة تعاقب «النور والظلام»، وربما بصورة أوضح انعكاس هذا التعاقب على الحياة الإنسانية، والهاشمي، ترى أننا نعيش ازدواجية تأثرنا بهذه الثنائية، وأكثر من ذلك، فهي ترى جمالاً خاصاً في هذا التناقض أو هذه (الثنائية) فتطرح من خلالها أسئلة حيوية، كالبحث عن الرخيص والنفيس، والخطأ والصواب، وغير ذلك من الأسئلة التي تساعد على فهم جوهر الحياة.

في تركيبها المعماري، تمزج الهاشمي بين تصاميم الفن الإسلامي، والاستخدام البصري للهندسة، فيتفاعل المشاهد مع ما يشبه الغرفة المظلمة على نقاط ليزرية ساقطة أو (منعكسة) على صندوق مكعب، قامت الهاشمي بتصميمه أي– الصندوق- بواسطة أضواء الليزر، تقول: «يعكس استخدام الليزر في العمل، كيفية تعاملنا مع معتقداتنا وآرائنا بحساسة مفرطة.. وهي ترمي إلى خلاصة مهمة، فحواها خلاص الأرواح وشفاء القلوب، ومن خلال هذه الثنائية، يمكن للمرء أن يحقق التناغم والانسجام مع نفسه ومع الآخرين».

وصف التدرج

«وصف التدرج» هو عنوان العمل الذي شارك به الفنان الإماراتي عبدالله الملا في المهرجان، والملا هو مهندس معماري ومؤسس ستديو ملا للتصميم؛ حيث قدم عملاً يستوحي شكل المصفوفة الهندسية، التي تؤول أو «تتدرج» في نهاية المطاف إلى توصيف «المقرنصة» بوصف المقرنصات من عناصر العمارة الإسلامية المميزة، وغالباً ما تعبر المصفوفات عن أشكال موجودة في الطبيعة كنماذج أقراص العسل، التي تكون على هيئة خلايا متلاصقة تجمعها فرادة الدقة في التصاميم المنسجمة أو المتناغمة، أما في الشكل الذي صممه عبدالله الملا، فقد راعى التدرج (مصفوفة تلو أخرى) نحو بناء هيكلي منسجم يوحي بالاستقرار أو (السكون) والسكون أو الهدوء هو نظير الطمأنينة، التي تطمح جماليات الفنون الإسلامية إلى تحقيقها في ظل عالم مضطرب، أو مسكون بالهياج والصخب، حيث يقول الملا في توصيف عمله: «يعد التدرج، جزءا لا غنى عنه في كل عملية إبداعية، وهو يفضي إلى تكوين لغة بين المكونات الأساسية الدقيقة، أي (الفروع) وبيت الشكل النهائي الكلي بصرياً».

ويتابع: «كما أن الأشكال الهندسية هي أسس كل بنية طبيعية، وهي تصور في الغالب (نمو التدرج) مثل النقاط إلى الخطوط، ومن الخطوط إلى الأشكال، ومن الأشكال إلى الكائنات الأولية، ومن الكائنات الأولية إلى الكائنات المعقدة».

جدار الطوب الأحمر

في العمل الذي شارك فيه الفنان المعماري داي دريمر، وهو من هونج كونج، قام بتصميم تركيب مستوحى من جمال الفنون الإسلامية، أما مادته الخام، فهي الطوب الأحمر؛ حيث ارتكز عمله على مفهوم التدرج في الشكل واللون على حد سواء، وهو كما يقول: مستوحى من الإمكانيات اللانهائية للطوب، الذي يخلق من خلال تصميمه وحدة جمالية وبصرية، وهي هنا، أي في عمل داي دريمر، عبارة عن جدار مطلي بألوان الباستيل الزيتية، ومن يشاهد هذا البناء المعماري، سوف يدهش من تلك الرشاقة التي تعكسها الكتلة المادية، التي تحفز على التفكير والتأمل، وبالنسبة لدريمر، فإن الشكل المادي بذاته، ومن خلال هذا التصميم التجريدي، وما فيه من غنى في الشكل واللون، هو تعبير عن مفهوم التدرج، فلا شكل من دون محتوى، يدل عليه، والعكس صحيح.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"