الكتب الأقرب

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

طبيعي أن يسأل السائل بعد قراءته للوصف أعلاه عن «الكتب الأقرب»: أقرب إلى ماذا؟ أقرب إلى الروح، أم إلى اهتمامات القارئ المعني بتلك الكتب، أو الأقرب إلى حقل بعينه يعني الدارس، أكان دارساً في التاريخ أو الاقتصاد أو الفلسفة أو الفيزياء أو الرياضيات، والذي قد لا يتوفر لديه الشغف نفسه تجاه الحقول الأخرى غير الداخلة مباشرة في حقل اختصاصه أو اهتمامه؟ ويمكن للأسئلة أن تتوالى عن طبيعة هذا القرب ومداه، ولكن ما نحن بصدده هنا هو القرب «الفيزيائي»، إن صح هذا الوصف طبعاً؛ أي الأقرب إلى متناول أيدينا؛ أي تلك الكتب التي نضعها في خانة قريبة من المكان الذي نجلس فيه، وقد لا يلزمنا أن نقوم عن الكرسي ونخطو خطوات لأخذ الكتاب المعني، تكفي التفاتة منا، يميناً أو يساراً، ونمد يدنا لتناوله، كي لا «يتيه» بين صفوف الكتب، خاصة إذا كانت مكتباتنا الشخصية تحوي عدداً كبيراً من الكتب.
الآن وجب القول إن من أوحى لنا بهذه الفكرة/السؤال هو ألبرتو مانجويل، لا سواه. أيصح الحديث عن الكتب والشغف بها دون أن يحضر اسم هذا الرجل الذي أتحف المكتبة العالمية بمؤلفات مهمة وجميلة وعميقة وشائقة عن الكتب والقراءة وعوالمها؟ 
ومن حسن حظنا أن مترجمين عرباً اهتموا بترجمة بعض مؤلفاته إلى لغتنا، ويكفي أن نذكر هنا عناوين من نوع «تاريخ القراءة»، و«فن القراءة»، و«يوميات القراءة»، و«المكتبة في الليل»، وهي عناوين يعرفها القراء العرب الشغوفون بالتأكيد.
تعبير «الكتب الأقرب» خطر في ذهني بعد مطالعة في كتاب آخر لمانجويل عن القراءة أيضاً، من ترجمة جولان حاجي وصدر عن «دار الساقي»، هو كتاب «ذاكرة القراءة»، وفيه تحدث الكاتب عن طريقة تبويبه أو تصنيفه للكتب في مكتبته الشخصية، فهو يصف ترتيب مكتبته ب«المضحك»، حيث تحددت أقسامها الرئيسية وفق اللغة التي كتبت بها، من دون أي تمييز لنوع الكتاب أو جنسه الأدبي، فاختار رفوفاً موزعة على اللغات التي كتبت بها الكتب في الأصل، وعدّد مانجويل بعضها: الإسبانية، الفرنسية، الإنجليزية، والعربية أيضاً، على الرغم من استدراكه بالقول إنه لا يستطيع لا القراءة ولا الكتابة بالعربية.
ما يهمنا أكثر في حديثنا هنا ليس هذا الترتيب وإنما الاستثناءات التي قال عنها مانجويل إنها كثيرة، حيث حرص على إخراج بعض الكتب التي تتناول موضوعات بعينها، كتاريخ الكتب، وشروح الكتاب المقدس، وأسطورة فاوست، وأدب وفلسفة القرون الوسطى وغيرها، من تبويبه آنف الذكر، وجعلها في مكان قريب إلى يده بوسعه الوصول إليها كلما أراد.
لا نحسب أن مانجويل استثناء في ذلك. كثيرون مثله يفعلون الشيء نفسه.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"