تيسير الزواج ودعم الشباب المقبلين على هذه الخطوة، إلى جانب تقنين المهور والدعوة إلى تبسيط مظاهر الاحتفالات، كانت من اهتمامات الدولة على مر السنوات الماضية، من أجل تأسيس ثقافة جديدة ترمي إلى التبسيط والتيسير وضمان استقرار أسري لمن هم ما يزالون في بداية طريق الحياة، وتكوين أسرة في مواجهة تحديات مادية كبيرة ومتطلبات معيشية فرضتها بعض العادات الدخيلة، والممارسات التي ارتبطت بالتقليد والتفاخر، والتي أدت إلى توسع كبير في القروض وفشل في استمرارية الزواج، وزيادة في معدلات الطلاق الذي قد يقع لأتفه الأسباب.
مناسبة الحديث هي إحصائية لمركز التنافسية والإحصاء تشير إلى زيادة في عقود الزواج خلال عام 2020 الذي شهد أزمة كورونا، وذلك بمعدل 2744 عقداً، وبنسبة 18.4%. عندما جرت تلك المناسبات وسط مظاهر مبسطة بعيداً عن الإسراف والإنفاق ووسط أجواء أسرية غير متكلفة، وهو ما يؤكد الرغبة الحقيقية لدى الجميع في عودة حفلات الزواج إلى بساطتها المعهودة، بتكلفة معقولة لا تمثل عائقاً ولا تسهم في تمديد فترة العزوبية والعزوف عن الزواج إلى فترة أطول من المعتاد، حيث يحتاج الإقدام على الزواج إلى ملاءة مادية كبيرة تستنزف طاقة الشاب وتأخذ كل اهتمامه دون النظر إلى متطلبات أخرى مهمة أيضاً، وهي الاستعداد النفسي والتأسيس لنجاح مسيرة الزواج.
بكل صراحة نحن نحتاج إلى وقفة مصارحة وتقييم لموضوع الزواج وما يرتبط به من تكلفة ومظاهر، خاصة بعد أن أيقن الجميع أن حجم الميزانية المرصودة للعرس لا يؤثر إطلاقاً في حجم الفرح المتحصل عليه؛ بل إن كثيراً من تلك الحفلات تدب فيها الخلافات وتشحن النفسيات قبل أن يبدأ اليوم الأول للزواج، مما يهدد مسيرة الزواج برمتها التي تنطلق بتوترات و«زعل» وشحن نفسي بين الأطراف، إلى جانب إنفاق غير محدود يؤثر في الزوج بصفة خاصة، والذي يتحول ليلة عرسه إلى جهاز صرف تحاصره فواتير من كل جانب.
في كل مرة تنشط مبادرات جميلة كتحديد المهر أو إقامة حفل بدون عشاء، لكنها للأسف سرعان ما تفرغ من مضمونها باستبدال أوجه الصرف المغلقة بسببها، بأوجه أخرى أكبر وأكثر إنفاقاً، يجري خلفها الناس دون وعي، بينما يمارسها كثير من الناس تحت ضغط الحرج والخوف من كلام الناس وانتقاداتهم، حتى لو كان وضعهم المادي لا يسمح بها. وقد تبرز ظروف كأزمة كورونا التي نعيشها اليوم، تؤسس لشكل جديد ومعقول للزواج، لكنه سرعان ما يتلاشى للأسف عندما تعود الأمور إلى نصابها العادي المعهود.
بكل صراحة، نحن بحاجة لخطوة شجاعة تعيد الزواج إلى شكله البسيط العادي وأجوائه الأسرية، مع تقليص حجم المدعوين الذي وصل إلى خانة الآلاف ليكون عشرات فقط من أجل ضبط عملية الصرف التي تتبخر فيها قدرات «المعرس» المسكين، ومعها فرص نجاح زواجه.