الأندلس بعين سهير القلماوي

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

لا أعلم إذا كانت الأديبة والأكاديمية الكبيرة، سهير القلماوي، الفخورة بأنها تلميذة طه حسين، قد زارت الأندلس، لكنها كتبت عنها كتاباً يحمل القارئ على الاقتناع بأنها كانت هناك يوماً. وليس مهماً أن تكون رجلا القلماوي قد وطأتا أرض غرناطة وقرطبة وسواهما من مدن الأندلس أم لا، فالكتابة عن أي مكان عن بعد، حين تكون رصينة ودقيقة وجاذبة، هي رؤية له بعين أخرى لا تقل نفاذاً في البصر، هي عين الكتابة.
الكتاب الذي نقصد هو: «ثم غربت الشمس»، وهو عن سيرة شاعر غرناطة ابن زمرك، وتعيّن على القلماوي، وهي تكتب سيرة الشاعر، أن تكتب أيضاً جوانب من سيرة مدينته، غرناطة، لا بل عن جوانب أخرى من سيرة الأندلس يوم كانت عربية اللسان، قبل أن تغرب شمس العرب عنها، وهي اللحظة التاريخية التي منها استوحت الكاتبة عنوان كتابها.
الكتب الجميلة لا تلخص، أو بالأحرى يصعب جداً تلخيصها، ففي هذا التلخيص ظلم لها، وربما إفساد لما فيها من أفكار وتسطيح للعمق التي هي عليه. ربما يكون الأنسب هو حث القارئ الذي يعنيه الأمر على قراءة الكتاب المعني الذي نجده يضيء زوايا غائبة عن أذهاننا، أو أننا لم نتبصر فيها كفاية قبل أن نقرأ الكتاب، أو ليست هذه آية الكتاب الجيد الذي يعلمنا ما كنا لا نعلم، ويضيف جديداً إلى حصيلة معارفنا التي تظل، مهما اتسعت، محدودة قياساً إلى بحر المعرفة الشاسع الذي لا مدى له ولا قرار.
شدّتني المقاربة اللماحة من قبل سهير القلماوي لموضوع دخول العرب الأندلس، فهي تقول ما نعلمه جميعاً من أنهم دخلوها «في سرعة البرق الخاطف، فلم يمض بين عبورهم المضيق من المغرب، ووصولهم إلى جبال البرانس بل إلى نهر الرون في فرنسا إلا أشهر معدودات»، مقررة أن «التاريخ يقف حائراً أمام هذه السرعة العجيبة في الفتح».
لكن اللافت أكثر ليس هذا، وإنما قول القلماوي بأنه لم يكن في وارد العرب والجيش الأمازيغي الذي به فتحوها أن يفعلوا ذلك بروح الجهاد في سبيل الإسلام كما فعلوا ذلك عند فتح العراق وبلاد الشام مثلاً، فالأمر، في بدايته، لم يكن سوى الرغبة في تعيين والٍ على سبتة استنجد بهم، وإذا البلاد تفتح ذراعيها لتتلقاهم في ترحاب، فيسير طارق بن زياد وجيشه وموسى بن نصير وجيشه، كل على حدة نحو أراضيها الشاسعة.. حدث ذلك ليس فقط لأن الأرض الخضراء قد سحرت العرب، وأشاعت في عروقهم حيوية لم يعهدوها في فتوحاتهم السابقة، وإنما لأن ظروفاً موضوعية أخرى ساعدتهم.. والحديث لم ينته بعد.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"