متى يكون الإنسان أولاً؟

00:14 صباحا
قراءة دقيقتين

السؤال بسيط: متى يكون الإنسان أولاً في حسابات الدول؟ لكن الإجابة صعبة ومعقدة؛ بل تسبب اليأس أحياناً، خصوصاً والعالم كله يعيش أجواء حرب تنعكس حزناً وقلقاً وتوتراً وتؤرق ليس فقط الدولتين المتصارعتين؛ بل كل الدول على كافة الكرة الأرضية. 
في الحروب كل شيء يأتي أولاً إلا الإنسان والإنسانية، كل الحسابات تنحصر في الفكر السياسي وأحياناً الأطماع الشخصية للقادة فتسبق وتطغى على حساب أمان البشر واستقرارهم ومستقبلهم. كل الخطط ترسم المواقع وتنشغل بالمدن والمباني والطائرات والآليات والحديد والبارود ويصرف في سبيلها الملايين، بينما يتقهقر وضع الإنسان فيسير وحيداً بلا متاع ولا رؤية واضحة ولا قرار، هو الخاسر الأول والمؤكد منذ الشرارة الأولى للحرب، هو من يدفع الثمن منذ البداية وحتى النهاية، قد يخسر منزله وكل أمواله وربما أحد أفراد أسرته أو روحه، ولن يعود أي شيء إلى ما كان عليه قبل انطلاق تلك الشرارة، ولن ينعم بالاستقرار والسلام النفسي.
قليلة الدول التي تضع الإنسان على رأس أولوياتها، وقليلة الدول التي تعلي السلام فوق الحرب فتنصفه وتنتصر له وتحكّم العقل قبل اتخاذ أي قرار متهور. قليل من يصدق أن صوت الضمير هو أقوى الأصوات وأكثرها تأثيراً، فيمنحه الحق في الكلام والصراخ والتحذير، ويمنح نفسه متعة أن يكون إنساناً أولاً، كاملاً بقوة عقله وضميره وحكمته، موزوناً يقدر حجم المسؤولية وحجم الإنسانية وحجم الكوارث التي تنجم عن الحرب. 
لا يمكن للحرب بين روسيا وأوكرانيا أن تكوي بنيرانها الدولتين فقط، فهناك دول مجاورة تتأثر، وخريطة عالم قد تتغير سواء اقتصادياً أم سياسياً، وهناك خريطة سكانية تتغير أيضاً، ولن يبقى هذا «العالم الواحد» بعيداً عن شظايا الحرب وآثارها وتأثيراتها. 
الدول الداعية إلى السلام والساعية من أجل إحلاله، ترفع صوت الإنسان والضمير ليعلو فوق صوت الحرب، فهل من يسمع ويستجيب؟ المشاهد التي تنقلها القنوات ويصورها بعض الأفراد لعائلات تهجر أرضها ومنزلها بحثاً عن الأمان ولو في خيمة خارج الحدود أو تحت الأرض أو في الأنفاق داخل الوطن.. تستفز المشاعر، تطرح علينا ألف سؤال، ننشغل بهؤلاء الأطفال والرعب الذي يعيشونه، حتى من يعيشون حالة هلع في الجانب الآخر، ممزقون أيضاً وخائفون من الغد، ومن التشتت وكثير منهم لا يفهم حقيقة ما الذي يحصل ولماذا؟ 
تحت وابل القذائف، لا يعود للإنسان قيمة أو أولوية، يصبح البشر مجرد أعداد تسقط هنا أو هناك، يتم تحريكهم باتجاهات مختلفة، تحدد مصائرهم، ولا يملكون القرار أو الخيار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"