ما رأيك في مصطلح «صراع الأجيال»؟ مبالغة. قد تكون الترجمة مفرطة، ففي الفرنسية يتحدثون عن «خلاف الأجيال»، بمعنى سوء التفاهم. علماء النفس والتربية، لم يتساءلوا إلاّ في العقود القليلة الأخيرة: لماذا يبدو المراهقون في الأسرة، وعلاقاتهم الاجتماعية، معاندين، متوترين، تصادميين؟
في القرون الماضية، كان الآباء العقلاء يُرجعون ذلك إلى أن سن البلوغ حرجة، فلا غرابة في ظهور أشكال من السلوك المتشنّج والاندفاع إلى المواجهة مع الوالدين وخارج الأسرة. لكن قطار هذه الضروب من التصورات، كان دائماً خارج السكة، لذلك لم يكن سوء التقدير إلاّ ليزداد سوءاً، لأن علماء النفس والاجتماع والتربية والآباء كانوا لا يملكون المادّة العلمية المعرفية، التي تتيح الإدراك السليم لمشهد انعدام التجاوب والتعايش الوئامي بين المراهقين ومن هم أكبر سنّاً.
موقع «فوتورا سيانس» (علم المستقبل) الفرنسي (18 مارس) نشر مقالاً قيّماً، عنوانه لا يخلو من العنف التعبيري: «لماذا تظهر اضطرابات ذهنيّة عدّة عند المراهقة؟». في هذه المرحلة السنّيّة تنشأ أمراض نفسية شتى: الإحباط، الاكتئاب، فصام الشخصية، الاضطرابات العاطفية وغيرها. أساس عدم الفهم لدى الكبار المعنيين، آباء وعلماء، هو أن المعلومات العلمية عن تطوّر نموّ الدماغ في فترة المراهقة، كانت غير متاحة قبل العقد التاسع الأخير. لم يكن أحد يدري، قبل تقدم العلوم العصبية، بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي وما إليه، أن الدماغ يظل ينمو بعد الطفولة إلى العشرين، وأحياناً إلى الثلاثين.
حتى بضعة عقود، كان المتخصصون يعتقدون أن الدماغ ينمو في مرحلة الطفولة، ولا يتغيّر بعدها. منذ بداية المراهقة تتقلص المادّة الرمادية (المكوّنة من الخلايا العصبية) ببطء، بينما المادة البيضاء (التي تشكل الروابط بين الخلايا العصبية) تواصل النمو. تلك التغيرات هي انعكاس لإعادة تنظيم الشبكات العصبية، التي تطوّر وظائفها واتصالاتها بالتخلص ممّا ليس مهمّاً وفعّالاً. الكثير من العلماء يعتقدون أن نموّ «الميالين»، المادة الدهنية التي تشكل عازلاً بين اتصالات الخلايا العصبية لتحسين انتقال المعلومات، هي العامل الحاسم في حدوث تلك التحوّلات الدماغية. تلك التغييرات لها أثر كبير في مناطق من الدماغ، مثل قشرة فصّ الجبهة. في هذا الموضع توجد القدرات والكفاءات الأكثر تطوّراً، كأخذ القرارات المعقدة، والاستشراف والتقدير والتحكم في الاندفاعات غير المأمونة.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفهمية: فهم المراهق يساعده على أن يفكّر في سبع نقلات شطرنجية، بدلاً من أن ينطح فوراً.
[email protected]