تغيير النموذج الفكري الثقافي

00:31 صباحا
قراءة دقيقتين

أليس المنطق السليم هو الانطلاق من البسيط إلى المعقد؟ فما هذا العنوان الجلمودي؟ لو وصفه اللغويون القدامى لقالوا: حوشيّ العناوين. الحقيقة هي أن العالم يتغيّر ومعه النموذج الفكري الثقافي، أو الإطار الفكري، الذي يسميه الفرنجة «بارادايم».
خذ هذه المقارنة، التي يرجو القلم ألاّ تراها عينك بنظرة سلبيّة. أجيال قروننا الماضية نشأت على ثقافة وسيعة التنوّع في أزمنتها، لكن تلك المفاهيم والنماذج الفكرية الثقافية تحتاج إلى إعادة نظر جذريّة. لقد لمس تلك الحاجة بوعي منقطع النظير، رفاعة الطهطاوي، والثنائي محمد عبده وجمال الدين، وآخرون قبلهم وبعدهم. لو أراد مؤرخ التفصيل الكامل ليقظة الوعي العربي، لاحتاج إلى ذلك البيت الفارسي القياسي في المبالغة: «كتاب فضلك لا يكفيه ماء البحر..لأبلّل طرف أنملتي، وأعدّ الصفحات». لكن، في قضيّة الضرورة القصوى إلى تغيير الإطار الفكري للثقافة، لا نزال في المربّع الأوّل، مع تعديل قول نزار: «تسعون عاماً يا كتاب الهوى..ولم نزل في الصفحة الأولى». قال: عشرون.
لك أن تسأل: كيف وصلت إلى هنا؟ لن يقول القلم: «جئت لا أعلم من أين، ولكني أتيت». بصراحة، سبب التزحلق هو مفاجآت المنعرجات في الإعلام والثقافة، التي غدت تفضي إلى عوالم لا علاقة لها لا بالإعلام ولا بالثقافة. هل ستظن الأمر مزاحاً غير رصين، إذا سألك أحد: هل ضربت أسلاك عمالقة القطاع الخاص، فصاروا يطمحون إلى حكم العالم من خلال تغوّل القطاع الخاص؟ عندما بلغ «جوجل» الفطام كان المتصوّر أن يصبح موسوعة كبيرة على الشبكة، «ويكيبيديا» مضروبة في عشرة.
 اليوم، تستطيع أن تتحدى أكبر دماغ، أن يعثر على مسمّى يشمل كل ما تقوم به دوائر «جوجل» في شتى الميادين. تخيّل، من أهم بحوثه العلمية، ما هو قمّة الطموح الكيميائي: تحويل الآزوت إلى آمونياك. تحقيق هذا الحلم للبشرية، سيحلّ أعظم مشكلة في طريق الغذاء العالمي، لأن ذلك سيوفّر عالماً من السماد الكيميائي، ولو توقف إنتاج السماد الكيميائي لقضت المجاعات على مئات الملايين من بني آدم. محرك البحث يعِد البشر بإطالة الأعمار عشرين عاماً في 2040. ما هذه المؤسسة الإعلامية الثقافية، التي تحوّل الآزوت إلى آمونياك، وتطيل الأعمار، وتكتشف الأدوية الجديدة بحواسيب الكوانتوم، وترتاد الفضاء، ولها مآرب أخرى.
لزوم ما يلزم: النتيجة الرجزيّة: محرّكاتُ بحثهم ستنتج السمادْ.. تُحوّل الآزوت كيما تُنقذ العبادْ... وتصنع الدواء بالحاسوب للمريضْ.. لكننا فطاحلٌ في صنعة القريضْ.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"