عادي
في الذكرى الأولى لرحيل عميد الوزراء

حمدان بن راشد.. 50 عاماً في مسيرة البناء والعطاء

00:39 صباحا
قراءة 7 دقائق
Video Url

دبي: يمامة بدوان
يظل يوم الرابع والعشرين من مارس/ آذار عام 2021 ذكرى في وجدان شعب الإمارات، يستعيد معها مسيرة عطاء وبناء قدمها رجل من أخلص أبناء الأمة، هو المغفور له الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، الذي انتقل إلى جوار ربه في مثل ذلك اليوم، عن عمر ناهز ال 76 عاماً، سطر خلالها مسيرة حافلة بالعمل الوطني المخلص والعطاء لأبناء شعبه والإنسانية جمعاء؛ حيث حفر الراحل اسمه في تاريخ الإمارات على مدى أكثر من نصف قرن وزيراً منذ أول تشكيل وزاري بعد قيام الكيان الاتحادي في ديسمبر/كانون الأول 1971، ونائباً لحاكم دبي منذ عام 2006، ورئيساً للعديد من الهيئات والدوائر الحكومية المهمة، وشريكاً في صناعة النهضة التنموية المباركة للدولة، وداعماً لأوجه الخير والبر في الداخل والخارج، ومساهماً في تعزيز جودة ومستوى الأداء والإبداع في المؤسسات التربوية والتعليمية على الصعيدين المحلي والدولي، وراعياً للعديد من الأنشطة الرياضية، تاركاً إرثاً شكل علامة فارقة في تاريخ الدولة.

الصورة
1

ظلت أعمال الراحل الخيرية خالدة وشاهدة على عطاء لم ينضب يوماً، فكان رحيله بطعم الخلود لجميع أعماله التي روت الظمآن، وأدخلت البهجة إلى قلوب اليتامى والمحرومين، وأشبعت الجوعى، وآمنت بأن اليد الممدودة للغير لا بد أن تعود محملة بالخير والذكر الطيب.

عطاء جسّده في كلمات من ذهب تلخص نهجه الخيري والإنساني، حيث قال: «أشعر بسعادة غامرة وبفرح كبير وارتياح تام عندما أساهم في إدخال البهجة والسرور إلى قلب محروم، واللقمة في جوف جائع، وأرسم الابتسامة على ثغر عار، وبناء مدرسة لمن حرمتهم الظروف من التعليم، وإنشاء مسجد لمسلمين واجهوا ظروفاً قاهرة حالت دون تأمين المال اللازم».

بصمة جلية

وواكب الفقيد مراحل تطور دولة الإمارات، وأسهم في بناء مسيرتها التنموية؛ إذ يعتبر، رحمه الله، أحد رواد وحدتها، وتأسيس حاضرها ومستقبلها، ورجل دولة ترك بصمة جلية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية في الإمارات، وقد امتازت شخصيته بالحنكة والقيادة الاستثنائية في مجمل الأحداث والمناصب التي تقلدها طوال حياته.

إضافة إلى منصب وزير المالية، الذي قضى فيه نصف قرن من الزمن، شغل الراحل، شقيق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، العديد من المناصب المهمة في الإمارات، منها نائب حاكم دبي، كما ترأس المغفور له العديد من الهيئات والمؤسسات الحكومية رفيعة المستوى، والتي تلعب دوراً حيوياً في دعم الاقتصاد وسوق العمل في دولة الإمارات وفي إمارة دبي، ومن أهمها: «بلدية دبي، وهيئة آل مكتوم الخيرية، ومركز دبي التجاري العالمي، وشركة الإمارات الوطنية للبترول، وشركة دبي للغاز الطبيعي، وشركة دبي للألمنيوم، وشركة الإمارات الوطنية للمنتجات النفطية، ومركز تجهيز حقول النفط».

عميد الوزراء

بدأ الراحل حياته العملية في منتصف ستينات القرن العشرين بتولي منصب رئيس بلدية دبي، وهو منصب ظل ممسكاً به حتى بعد تكليفه بمنصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية والاقتصاد والتجارة والصناعة في التشكيل الوزاري الاتحادي الأول الذي شهد النور في التاسع من ديسمبر 1971 برئاسة شقيقه المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم، رحمه الله.

وفي التشكيل الوزاري الثاني برئاسة المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد، في عام 1973، آل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء حينذاك، إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وذهبت حقيبتا الاقتصاد والتجارة إلى الشيخ سلطان بن أحمد المعلا، فيما بقي الفقيد ممسكاً بحقيبة المالية في كل التشكيلات الوزارية ال 14 التالية حتى تاريخ وفاته، ومن هنا وُصف الشيخ حمدان بن راشد، رحمه الله، بعميد وزراء المال في العالم.

مسيرة عملية

وخلال مسيرته العملية، تولى الفقيد إلى جانب مناصبه الوزارية المشار إليها منصب نائب حاكم دبي، ابتداءً من مارس/ آذار 2006 وحتى تاريخ وفاته، كما ترأس «هيئة آل مكتوم الخيرية»، و«مركز دبي التجاري العالمي»، و«شركة الإمارات الوطنية للبترول»، و«شركة دبي للغاز الطبيعي المحدودة»، و«شركة دبي للألمنيوم المحدودة»، و«شركة الإمارات الوطنية للمنتجات النفطية»، و«مركز تجهيز حقول النفط المحدود (OSC)».

1

شغف الفروسية

تجلت اهتمامات الفقيد، المغفور له الشيخ حمدان بن راشد، الذي خلّف وراءه 3 أبناء هم: الشيخ راشد بن حمدان، والشيخ سعيد بن حمدان، والشيخ مكتوم بن حمدان، في شغفه برياضة الفروسية؛ حيث أسس في مطلع الثمانينات إسطبلات ومزارع شادويل العالمية في مقاطعة ثنفورد البريطانية على مساحة 6 آلاف فدان، لتكون مستودعاً للخبرات والمعارف في عالم الخيول، وأنشأ فرعاً لها في أيرلندا بمزرعة «ديرنز تاون»، وفرعاً آخر في أمريكا أطلق عليه اسم «شادويل فارم»، علاوة على إسطبلات مماثلة في جنوب إفريقيا وأستراليا، انطلاقاً من حبه واهتمامه بتربية الخيول العربية الأصيلة والخيول المهجنة وتحسين أنسال الخيول العربية، من خلال إنتاج سلالات جديدة قادرة على المنافسة في السباقات السريعة.

جوائز دولية

ومن منطلق حرصه على الارتقاء ببرامج وأنظمة التعليم محلياً وخليجياً وعربياً، أولى المغفور له الشيخ حمدان بن راشد، عناية خاصة بالمعلمين والموجهين ومديري المدارس والطلبة وأولياء أمورهم، فأوجد منصة لتتويج ومكافأة المتميزين منهم، من خلال إطلاق «جائزة حمدان بن راشد للأداء التعليمي المتميز»، وهي الجائزة التي تم تحويلها في عام 2008 إلى مؤسسة غير ربحية معنية بتعزيز الجهود الحكومية والمجتمعية لجهة الاهتمام بقطاع التعليم وتجويد أدائه ونشر ثقافة التميز والموهبة والابتكار وتهيئة مناخ فكري نموذجي لطلبة العلم وأصحاب المواهب على مستوى الوطن العربي.

وفي إطار الشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، أطلق الفقيد عام 2008 «جائزة حمدان لليونيسكو» العالمية؛ حيث حققت الجائزة أهدافها واكتسبت سمعة طيبة وإشادة رفيعة على مستوى العالم، بدليل تمديد دوراتها إلى عام 2026، وتحديث اسمها لتصبح «جائزة حمدان اليونيسكو لتنمية أداء المعلمين» في العام 2020.

أبحاث تربوية

لم يكتفِ المغفور له الشيخ حمدان بن راشد بما سبق فحسب، وإنما وجه اهتماماً خاصاً بحركة وصناعة الفكر وتطوير ونشر الأبحاث التربوية في العالم العربي، فأطلق «جائزة حمدان الألكسو» للبحث التربوي المتميز، بالشراكة مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، ثم المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، التي وجه الراحل «مؤسسة حمدان للأداء التعليمي المتميز» إلى التعاون معها ودعمها في عام 2017 بهدف تحفيز وتكريم القائمين على المبادرات التطوعية والأعمال الخيرية في مجال التعليم في دول العالم الإسلامي، حيث تمّ، في سياق هذا الهدف، إطلاق «جائزة حمدان الإيسيسكو» للتطوع في تطوير المنشآت التربوية في دول العالم الإسلامي.

العمل الإنساني

ومن ضمن المؤسسات التي ترأسها المغفور له الشيخ حمدان بن راشد، «هيئة آل مكتوم الخيرية» التي جسدت مدى اهتمام الفقيد بميادين العمل الإنساني والأنشطة الخيرية، فعلى مدى تاريخها منذ انطلاقها في دبلن بإيرلندا في عام 1997 من خلال المركز الثقافي الإسلامي هناك، امتدت أنشطتها لتشمل أكثر من 69 بلداً في جميع قارات العالم، ولاسيما إفريقيا، وقد شملت هذه الأنشطة: المساعدات الإنسانية للأسر المحتاجة، وكفالة الأيتام، ومشاريع إفطار الصائم، وأضاحي العيد، وتسيير حملات الحجاج، والحقيبة المدرسية، وبناء وتأثيث المدارس والكليات والمساجد ومراكز المعاقين وسكن الطلبة الجامعيين، وإنشاء المراكز والمختبرات العلمية مع تزويدها بمعداتها وأجهزتها، وتشييد وتجهيز المستشفيات والمراكز الصحية ووحدات العناية الخاصة بالنساء والأطفال، علاوة على عمليات إغاثة منكوبي الزلازل والفيضانات والمجاعات من تلك التي شهدتها دول مثل موزمبيق وإيران والجزائر وسريلانكا والصومال وإثيوبيا وراوندا في العقد الماضي.

كرة القدم

وكان للفقيد بصمات مضيئة في دعم الرياضة الوطنية؛ حيث تولى الرئاسة الفخرية لاتحاد كرة القدم في دبي عام 1969، ووجه ببناء مقر فاخر لاتحاد الكرة في منطقة الخوانيج، يشتمل على كل مقومات المعسكرات التدريبية وفق أعلى المستويات، فضلاً عن افتتاح استاد آل مكتوم «ملعب نادي النصر» في عام 1978، ثم تطوير الملعب عام 2019 إلى تحفة معمارية بتكلفة 500 مليون درهم.

إنجازات جليّة

تظهر إنجازات الفقيد الإنسانية والثقافية جليّة في دول عديدة، مثل المكسيك، أستراليا، إفريقيا، إيرلندا، أوروبا، باكستان، الهند والعديد من البلدان.

وبقي دعم قطاع التعليم والصحة النشاط المحبّب إلى قلب الراحل، حيث ساهم في دعم هذين القطاعين بشكل مستمر، سواء في الإمارات أو في دول العالم، فضلًا عن تأسيسه العديد من المراكز العلاجية مثل: مركز الشلل الدماغي في الأردن، مستشفى دار الشفاء في لبنان، ومركز القلب في جنين بفلسطين.

أطلق العديد من الجوائز المحلية والعالمية، أبرزها: جائزة عالمية في مجال العلوم الطبية، وجائزة التعدّدية الثقافية في اسكتلندا بهدف تقدير إسهامات الأفراد والهيئات العاملة بمجال دعم التعدّدية الثقافية، والتي تُسهم في تعزيز التنوّع الديني والعرقي والثقافي وتنمية الحوار الحضاري، إضافة إلى جائزة الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية، وغيرها.

سجل حافل

وللراحل سجل حافل بالألقاب والشهادات التكريمية والجوائز المحلية والعالمية والأممية، أبرزها: جائزة الشيخ راشد للشخصية الإنسانية للعام 2000، وجائزة «عرب تكنولوجيا» للإنجاز الحياتي تقديراً لجهوده كرئيس مجلس إدارة مركز دبي التجاري العالمي.

كما تم اختيار الراحل أفضل شخصية عالمية في مجالات الصحة والتعليم والرياضة في العام 2005 من قبل الاتحاد الدولي للمستشفيات، وذلك تقديراً لجهوده، وشخصية العام 2007 من قبل جائزة الشارقة للعمل التطوّعي، تقديراً لدوره في دعم العمل التطوّعي.

النشأة والدراسة

ولد الراحل، المغفور له الشيخ حمدان بن راشد، في 25 من ديسمبر/ كانون الأول 1945 في بر دبي ابناً ثانياً للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، من بعد ابنه الأول المغفور له الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم. ودرس المرحلة الابتدائية في المدرسة الأحمدية، التي تعد من أقدم المدارس شبه النظامية في دبي، ثم التحق بمدرسة دبي الثانوية التي تخرّج منها بنجاح، لينتقل بعدها إلى بريطانيا لدراسة اللغة الإنجليزية وعلوم البلديات بجامعة كامبريدج العريقة.

وحصل الفقيد في عام 2006 على 3 شهادات فخرية من الكلية الملكية البريطانية (شهادة الزمالة الفخرية للكلية الملكية البريطانية للأمراض الباطنية بلندن، وشهادة الزمالة الفخرية للكلية الملكية البريطانية للأمراض الباطنية بأدنبرة، وشهادة الزمالة الفخرية للكلية الملكية البريطانية للأمراض الباطنية والجراحة في غلاسكو)، وذلك تقديراً واعترافاً بجهوده المتنوعة وبصماته الخالدة في مجال الرعاية الصحية منذ أن كان رئيساً لدائرة الخدمات الطبية في دبي في السبعينات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"