د. راسل قاسم *
طفا علم النفس الإداري على السطح خلال العقود الأخيرة، مرتفعاً على أكتاف علم النفس المؤسسي، أو كما يسميه البعض «علم النفس الصناعي»، نسبة إلى نشأته الأولى.
ويختص علم النفس الإداري بشكل عام في زيادة الكفاءة والإنتاجية، وذلك من خلال تحسين الصحة النفسية للموظفين، وتحفيزهم، ومواءمتهم مع أدوارهم الوظيفية. من جهة أخرى، يسعى علم النفس الإداري إلى تصحيح البناء التنظيمي للمؤسسات، وتطوير الممارسات الإدارية بما ينعكس إيجاباً على الأداء بشكل عام.
ويعود الفضل في وضع أسس علم النفس الإداري إلى عالم النفس في جامعة هارفارد، هوغو مونستربرغ، وبالأخص في كتابه «علم النفس والكفاءة الصناعية» الذي أصدره عام.
ويتطلب تطبيق علم النفس الإداري امتلاك باقة خاصة من المهارات والمعارف، تجمع ما بين الخبرة في العلوم السلوكية، وآليات اتخاذ القرار، والتطوير المؤسسي والفردي، إضافة إلى الإلمام بالضوابط القانونية والإجرائية والأخلاقية. وعادة ما نستدّل على التطبيق السليم لتقنيات علم النفس التنظيمي من خلال ملاحظة شيوع ما يعرف بسلوك المواطنة التنظيمية، أي النزعة الإيجابية لدى الموظفين ورغبتهم في أداء مهام تتجاوز التزاماتهم الوظيفية، كالأعمال التطوعية والمبادرات الابتكارية، وغير ذلك.
ربما يجب الإشارة هنا إلى وجوب التفرقة بين علم النفس الإداري وعلم الاجتماع الإداري، صحيح أن كليهما يتطلب فهماً معيناً لسبل تحفيز الموظفين، ودفعهم إلى التصرف بأسلوب محدد، وفهم الدوافع وراء ما يظهرونه من أفعال وأنماط سلوكية، إلا أن الاختلاف الرئيسي بينهما هو أن علم الاجتماع الإداري يُعنى بفهم ودراسة مجموعات الموظفين وفرق العمل، بينما علم النفس الإداري يختص بدراسة السلوك الفردي.
إن إلقاء نظرة خاطفة على الساحة الاقتصادية خلال القرن الأخير، كافية لكي نلحظ ظهور شكل مختلف للاقتصاد سمّاه البعض الاقتصاد الجديد، والبعض فضّل تسميته اقتصاد المعرفة، أو اقتصاد المعلومات، أو حتى الاقتصاد ما بعد الصناعي. وهو بشكل عام الاقتصاد الذي يعلي من شأن الخدمات بأصنافها المختلفة، على حساب المنتجات الصناعية والزراعية الملموسة، كما أنه يعتمد بشكل أساسي على المعارف الجديدة وتوظيف مخرجات الابتكار، وهو بذلك يخلق الكثير من الفرص أمام دول وفئات كانت لا تملك القدرة على الدخول في السباق الاقتصادي التقليدي نتيجة عدم امتلاكها للثروات طبيعية.
ويلقي الاقتصاد الجديد بظلال سميكة على معظم المفاهيم الإدارية والسلوكات التنظيمية التي اعتدنا عليها، فيخفي بعضها، ويظهر بعضها الآخر بشكل جديد، وبحلّة مختلفة. فإذا ما أردنا وصف الوجه العصري لعلم النفس الإداري الذي يؤهله لأن يبقى ويستمر في كنف الاقتصاد الجديد، يمكن أن نوجز التالي:
تقليل الاعتماد على الأهداف والخطط المسبقة، والدفع باتجاه المرونة في المراجعة والتعديل، ووضع أهداف وظيفية جديدة ومتغيرة، أو السماح لمخرجات العمل بأن تتشكّل تدريجاً خلال الممارسة.
الاستغناء عن شخصية المدير الخبير، وتشجيع شخصية المدير المحفز والميسّر.
اتباع طرق جديدة لتنظيم العمل بين الإدارات والأقسام عوضاً عن الهياكل التقليدية، وما ينتج عن ذلك من طرق تخصيص الميزانيات وتقدير الإنجازات.
تقديم التدريب والتعلّم المهني بزيّ جديد يركّز على بناء عقلية النمو لدى الموظفين، وتخصيص حلول تدريبية لكل موظف تتناسب مع تطلعاته وقدراته وتوجهاته المهنية طويلة الأمد.
الانتقال من تقييم الأداء التقليدي الدوري إلى تقييم الأداء المرتبط بالمشاريع والمبادرات والمخرجات الرئيسية.
إن اللحاق بركب الاقتصاد الجديد لهو مهمة شاقة، والقدرة على ركوب موجته لهو أمر عسير، وإعمال العقل يقول إن قارب الأمس لن يصل بك إلى رأس تلك الموجة.
* مفكر ومؤلف إداري