سعادة الموظفين وإسعاد المتعاملين

22:41 مساء
قراءة 3 دقائق

د. راسل قاسم*

انتشرت العلاقة المباشرة والقوية بين سعادة كل من الموظفين والمتعاملين بشكل كبير في قطاعات الأعمال؛ حيث غزا هذا الارتباط الأوساط الأكاديمية والمهنية، ظاهراً بعدة أشكال تتدرج ما بين الرضا والسعادة، والارتباط والتأثير.

حتى أن البعض رسم مثلثاً، ونادى به على أنه من أساسيات التنظيم الإداري، ووضع على رؤوس ذلك المثلث: الموظفين، المتعاملين، والمؤسسة. وكذلك اشتهرت عبارات من قبيل «موظفين سعداء أي متعاملين سعداء»، وغيرها مما اعتمده ممارسو الإدارة في أروقة العمل، ومكاتب الاستشارات، وقاعات التدريب.

لم يخامرني أدنى شك في صحة هذا الطرح ورصانته وصلابته، إلّا أني بدأت أتلمس تغييراً يلوح في الأفق، ومن إرهاصات هذا التغيير، الخيط المستقبلي الذي تجلّى في نتائج دراسة سعادة المتعاملين والموظفين والمتسوق السرّي في الجهات الحكومية في دبي لعام 2023م، والتي اعتمدها وأعلنها في تقليد سنوي سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي. حيث أضحت دبي اليوم نموذجاً ريادياً عالمياً في منظومة العمل الحكومي وتقديم الخدمات العامة.

عند المقارنة بين الجهات التي حققت أعلى النتائج في سعادة الموظفين، وتلك التي حققت أعلى النتائج في سعادة المتعاملين، نلاحظ اختلافاً في الترتيب بسيطاً في بعض الحالات، وملحوظاً في حالات أخرى. وهذا ما أضاف إلى باقة الأسباب التي لدي سبباً لأتساءل: هل نحن على أبواب إعادة ترتيب هذا المثلث الذهبي؟ وهل هناك ما سيؤدي إلى فك هذا التراص بين سعادة الموظفين، وسعادة المتعاملين، ونجاح المؤسسات في مستقبل الأعمال؟

أعتقد أن السنوات المقبلة ستسير في هذا الاتجاه، وأعتمد في ذلك على عدة مؤشرات أضعها على مائدتنا الإدارية اليوم؛ إذا ما نظرنا إلى التكنولوجيا، لا يوجد من داعٍ لشرح التطور التكنولوجي الصارخ الذي نعيشه، وتمدد التكنولوجيا الحثيث في جميع مفاصل العمل.

أدى ذلك إلى نقلة نوعية في تقديم الخدمات، حيث أصبحت معظم الخدمات إلكترونية يمكن الحصول عليها من أي مكان في أي وقت، وقد أدى هذا إلى تقليل نقاط التماسّ بين الموظفين والمتعاملين، هذا من شأنه أن يقلل من حساسية الارتباط بين سعادة الموظفين وسعادة المتعاملين، على الأقل في وجه من أوجهها المتعددة.

كذلك الأمر التغيير الكبير الذي حدث في طرق تلمّس احتياجات وتوقعات المتعاملين، حيث انتقلت من التفاعل المباشر بين الموظف والمتعامل، إلى عالم الفضاء الإلكتروني، حيث التغذية الراجعة الآنية، والقدرة على تحليل سلوكيات المتعاملين باستخدام آثارهم وبياناتهم الإلكترونية، وتحليل محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام كل ذلك في التنبؤ باحتياجات المتعاملين ومتطلبات سعادتهم بدقة عالية، وتوفير خدمات استباقية فعالة. وهذا سيؤدي مع الوقت إلى تقليل قوة علاقة التأثير بين رضا الموظف ورضا المتعامل لاختلاف مدخلات رصد الاحتياجات والتوقعات.

نضيف إلى هذه الأسباب، اختلاف شكل العلاقة بين الموظف والمؤسسة في سوق العمل الحديث؛ حيث إن مواضيع مثل قياس الولاء المؤسسي بسنوات الخدمة أصبحت قيد إعادة النظر، وخصوصاً في بعض القطاعات التي تتميز بالتغير السريع، وانخفاض معدّل أعمار الموظفين فيها، حيث ينتقل هنا المشهد إلى التعامل حالياً مع جيل «زد»، وجيل «ألفا» خلال السنوات المقبلة.

وقد كرّست العديد من الدراسات والأبحاث الخصائص المميزة لهذه الأجيال، ومنها عدم القناعة بالعمل سنوات طويلة لمؤسسة واحدة، وطغيان عناصر خاصة في بيئة العمل على اسم المؤسسة أو الميزات التي تقدمها. وهذا ما يختلف بشكل واضح عن خصائص الأجيال السابقة، مثل جيل الألفية بشكل جزئي، وجيل «إكس» وجيل الطفرة السكانية بشكل جذري. الأمر الذي يضع المؤسسات أمام تحدٍّ لتكوين مفهوم جديد لإسعاد الموظفين.

أعتقد أن استشراف شكل العلاقة بين سعادة الموظفين وسعادة المتعاملين لن يؤثر على أهمية كل مفهوم على حدة، وإنما سيطال تأثيره التفاعل بين هذين المفهومين من حيث السبب والأثر والارتباط.

* خبير إداري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2bfcdsrh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"