الانتقال من «كرونوس» إلى «كايروس»

21:50 مساء
قراءة 3 دقائق

د. راسل قاسم*
يتطلع معظمنا إلى عام جديد مليء بالإيجابية والنجاح، بعض الأشخاص يعتبر السنة الجديدة مناسبة لبداية واعدة، فيثقلها بأنشطة ومبادرات تفوق قدرته على الإنجاز، ما يصل به سريعاً إلى خليج الملل، فيرسو على ضفة التخلّي.

هذا التخلي ليس تجلياً شخصياً بحتاً، وإنما هو مدعّم بالعديد من الدراسات، فمثلاً تشير كلية إدارة الأعمال في جامعة أوهايو إلى أن 9% فقط من الأمريكيين الذين يتخذون قرارات في بداية السنة الجديدة يكملونها، و23% من الأشخاص يتخلون عن قرارهم بحلول نهاية الأسبوع الأول، و43% يتوقفون بحلول نهاية شهر يناير.

لذلك، لن أحشر الكثير في جعبة نصائح العام الجديد، وسأكتفي بهمسة سريعة عن الزمن، فالأيام والشهور والسنين ما هي إلى تجميع أو تفريق للوقت. وربما علينا أن نتعامل مع الوقت بطريقة مختلفة إذا ما أردنا زيادة إنتاجيتنا وتحسين مخرجاتنا.

ما يعينني هنا على خفة البيان، كلمة يونانية قديمة هي «كايروس» والتي كانت تُستخدم للإشارة إلى اللحظة المناسبة، فليس المطلوب أن تقوم ببذل الجهد فقط، ولكن لا بد أن يكون في الوقت المناسب. وكلمة كايروس هي إحدى كلمتين استخدمها اليونانيون القدماء للتعبير عن الوقت، الكلمة الثانية هي «كرونوس» وتعبّر عن التسلسل الزمني للوقت كما نعرفه جميعاً، أي أن كرونوس هو الوقت الخطي المنتظم الذي يسير بالدقائق والساعات، بينما كايروس هو الوقت النوعي الذي يشير إلى اللحظة المناسبة.

من الأمثلة التي كانت تُستخدم لوصف الكايروس بأنها اللحظة التي يجب فيها ترك السهم لكي ينطلق بالقوة الكافية والمناسبة لاختراق الهدف، أو هي اللحظة التي يجب فيها على حائك النول أن يسحب الخيط من خلال الفتحة التي تتشكل في النسيج والتي سرعان ما تغلق.

على الرغم من بساطة هذا التعريف ومباشرته، فإن العديد من المفكرين والباحثين ما زالوا حتى اليوم يقدّمون تفسيرات وشروحات لمعنى كايروس وتطبيقاتها في مجالات مختلفة من الاقتصاد، إلى الآداب والعلوم والفنون.

من المنطقي هنا أن نتساءل، كيف أجد الكايروس الخاص بي؟ أو كيف أستطيع أن أنتقل في تعاملي مع الوقت من منطقة الكرونوس إلى منطقة الكايروس؟

هناك العديد من الأدوات الإدارية التي يمكن أن تساعدنا على إجابة هذا التساؤل. من هذه الأدوات مصفوفة أيزنهاور البسيطة، ولكن المفيدة، أو ما يُعرف بمصفوفة إدارة الوقت، والتي تقوم على أن نقسّم مهامنا إلى أربعة أقسام، مهمة وعاجلة، مهمة وغير عاجلة، غير مهمة وعاجلة، غير مهمة وغير عاجلة، والتصرف بناءً على هذا التقسيم، سواء بالإنجاز المباشر والجدولة والتفويض أو الاستبعاد.

إن كايروس ليس حصراً علينا نحن الأفراد، وإنما يمتد إلى مجالات النشاط المؤسسي، فعلى المؤسسة أن تجد الكايروس الخاص بها، وأن تبرع في استخدامه إذا ما أرادت أن تصيب النجاح. يتم اليوم تخطيط المشاريع والمبادرات والأنشطة المؤسسية بشكل دقيق، ويتم أخذ عامل الزمن في الاعتبار، فنلاحظ استخدام الجداول والمخططات الزمنية، مثل «غانت» وغيرها، لتحديد مدد التنفيذ وتواريخها ومتابعة الإنجاز. وربما من الجيد أن نضيف خطوة إلى هذه الممارسات، وهي أن نسأل أنفسنا عن أفضل الوقت لتنفيذ كل مهمة أو نشاط، وهل هذا هو الوقت المناسب، أم أنه يوجد وقت آخر أنسب للقيام بهذا العمل. من المتوقع لتطبيق مفهوم كايروس في العمل المؤسسي أن يوسّع المدارك، ويكبح جماح الرغبة في البدء واللهفة إلى الانتهاء، وأن ينشّط عوضاً عن ذلك البدء في الوقت المناسب، والانتهاء في الوقت المناسب.

تمنياتي بعام جديد يطغى عليه الكايروس، ويكون عوناً لك في تحقيق ما تتمنى، والوصول إلى ما ترغب.

* خبير إداري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/24r376px

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"