مطبخ منسوج بخيوط الأصالة

23:26 مساء
قراءة دقيقتين

د. باسمة يونس

أصبحت صناعة برنامج منافس في عصر وفرة الإنتاج التلفزيوني المؤسسي والفردي مغامرة يخوضها المنتجون، وكل منهم يحلم بصناعة البرامج التي تستحق المشاهدة وضمان تقديم ما يجعل المشاهدين يرغبون في مشاهدتها ومناقشتها في كل محفل.
ولكن ما الذي قد يجعل البرنامج التلفزيوني رائعاً، أو العكس؟ هل هو البرنامج الذي يقدم ما يثير اهتمام المشاهدين؟ هل هو الشخصيات التي يمكن للمشاهد الارتباط بها في هذا العرض؟ هل هو قدرة الحلقة التجريبية (أي الحلقة الأولى من الموسم الأول) على لفت انتباه المشاهدين على الفور؟ هل هناك الكثير من التشويق الذي يشد المشاهد للمتابعة؟ هل هناك قصة ممتعة ومتماسكة؟ هل هو جودته وقدرته على جذب المتابعين إلى عالمه، وجعلهم يهتمون بالشخصيات ومشاكلهم لقدرتهم على فهمها بوضوح؟
 إن وفرة العروض تربك المشاهدين من دون شك، مع ازدحام حياتهم بمجموعة كبيرة من الالتزامات وخيارات الترفيه، لكنها في الواقع توفر مساحة هائلة للاختيار وتجعلهم أكثر انتقائية بشأن البرامج التي يريدون مشاهدتها والاستمرار في ذلك. فلن يجلس أحد أمام شاشة التلفاز إلا بعد العثور على شيء يمكن استثمار الوقت في مشاهدته، بغضّ النظر عن نوع العرض الذي يستمتع به في العادة.
 ومع تواجد أنواع عدة من البرامج التلفزيونية التي تختلف ما بين الدراما والكوميديا والمغامرات والإثارة البوليسية والخيال العلمي، وتشترك جميعها في العديد من الصفات التي تؤدي إلى جذب انتباه النقاد والمشاهدين إليها على حدٍ سواء، بغضّ النظر عن طولها أو نوع عرضها، تنامت صعوبة تمييز البرامج التي تحتوي على شيء فريد يجعلها تبرز من بين البرامج الأخرى وتحقق حضوراً لافتاً.
 وقد تحتدم المنافسة بين البرامج من خلال تقديم شخصية لم يستخدمها أحد من قبل، أو أن يتم عرض العرض في مكان، أو وقت فريد، كما يجب أن يكون شيئاً يجذب انتباه المشاهدين ويتضمن شخصيات مثيرة للاهتمام ويمكن تصديقها، بحيث تحافظ على جماهيرها ممن يرغبون في معرفة ما يحدث للشخصيات، وكيف تتفاعل مع بعضها بعضاً، وكيف تتغلب على التحديات.
لكن الناس لا يهتمون لذلك، بل يرغبون في الارتباط بالشخصيات الجذابة التي لا تُنسى، فضلاً عن أهمية الحوار غير المتكلف والمتخلص من اللغط غير الضروري، وعدم انسياق المقدم إلى إلقاء النكات في أوقات غير مناسبة، مع تناسب إيقاع البرنامج مع نوعيته ومضمونه ليكون المشاهد أكثر رغبة في المتابعة والتحدث عن العرض للأصدقاء والعائلة.
 هكذا تمكّن برنامج «مطبخ الدار» المعروض عبر قناة الإمارات من لفت الانتباه لتميزه في موسمه الأول بتقديم حلقات تثقيفية زادتها جمالاً بساطة وعدم تكلف مقدمتيه الشيف منى المنصوري المعروفة بتخطيها صعوبات وتحديات مهنة الطهي والإبداع فيها، وسميحة الكعبي بخبرتها في التراث الإماراتي وذكرياتها، وقدرة البرنامج على إظهار أصالة فنون المطبخ الإماراتي وتطوراته المعاصرة بحوارات مشوقة منسوجة من خيوط التراث وإبداعات الحاضر بين جيلين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"