من المنظور الألماني

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

أمس كان التاسع من مايو/أيار الذي يُحتفل به في روسيا كعيد للنصر على ألمانيا النازية، واستمرّ هذا التقليد بعد انتهاء الحقبة السوفييتية، إحياء للذاكرة الوطنية لشعب قدّم نحو سبعة وعشرين مليون ضحية في هذه الحرب التي انتهت بصعود الجنود السوفييت إلى مبنى «الرايخستاغ» في برلين، وتعليق الراية السوفييتية عليه، علامة على النصر الساحق الذي عليه ترتّب ما ترتب من نتائج جيوسياسية لا في القارة الأوروبية وحدها، وإنما في العالم كله.
أنظار العالم توجهت هذا العام بالذات نحو موسكو، ليس فقط لمتابعة العرض العسكري المهيب الذي اعتادت روسيا تنظيمه في الساحة الحمراء بالعاصمة موسكو، وإنما نحو ما سيقوله الرئيس الروسي بوتين في خطابه بهذه المناسبة، بعد أن أشاعت الدوائر الغربية السياسية والإعلامية، طوال الأسابيع الماضية أنه سيعلن الانتصار في الحرب الجارية في أوكرانيا، وأن روسيا ستسعى إلى إحراز تقدّم ميداني حاسم فيها، يتوج بذلك الإعلان المرتقب.
وزير الخارجية الروسي لافروف ردّ على ذلك بالقول، إن نهاية المعارك في أوكرانيا ليست مقيّدة بتاريخ معين، وإن ما سيحدد تلك النهاية هو نجاح روسيا في تحقيق الغايات المنشودة من عمليتها العسكرية هناك. ومن الواضح، حكماً من سير الأمور ميدانياً، أن تلك النهاية ليست وشيكة.
وددنا أن نسلط الضوء على المنظور الألماني لسير الأحداث، وهو منظور مهم من زاويتين على الأقل، فالنصر المتحقق في التاسع من مايو/أيار عام 1945 عنى بالنسبة لألمانيا هزيمة مدوّية، نتج عنها تقسيمها إلى دولتين: شرقية وغربية، وتجريدها من كثير من مصادر قوتها، وإن كانت نجحت  تالياً  في تحقيق نمو كبير، جعل منها الدولة الأوروبية الأهم اقتصادياً. أما الزاوية الثانية لأهمية المنظور الألماني فآتية من اللغط الكثير المحيط بموقف برلين من حرب أوكرانيا، حيث تتعرض لانتقادات أوكرانية وغربية، بأنها لم تظهر الحزم الكافي في موقفها ضد موسكو.
المستشار الألماني أولاف شولتس حاول في كلمة متلفزة بالمناسبة، شرح وجهة نظر بلاده بهذا الخصوص، قال فيها بوضوح سيثير المزيد من حفيظة منتقديه، إنه لن ينفّذ «كل» ما يُطلب منه، مضيفاً: «لأني أقسمت عندما توليت المنصب على عدم إلحاق الضرر بالشعب الألماني».
في الجوهر، فإن ألمانيا شريكة في الموقف الغربي المصطف مع أوكرانيا، ولكن التجربة المرّة علمت الألمان أن التمادي في ذلك قد يدفع إلى حرب كونية كتلك التي جربتها وعانتها بلادهم، لذا قال شولتس إن الإسهام في دعم أوكرانيا يجب أن يتم على قاعدة «كل على قدر طاقته»؛ لأنه من شأن أي خطوات غير مدروسة «أن تُلحق بنا وبشركائنا ضرراً أكبر مما تلحقه بروسيا».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"