المرونة الرقمية.. بوابة الثورة الصناعية الرابعة

22:02 مساء
قراءة 4 دقائق

أنجوس هيجارتي *

يغذي التحول الرقمي الدراماتيكي حول العالم، مدفوعاً بالاضطرابات الناجمة عن فيروس كورونا، طفرة الابتكار التكنولوجي ويؤجج فرص النمو الاقتصادي عبر الأسواق العالمية. وقد غيّرت عمليات إغلاق الحجر الصحي، وقضايا سلسلة التوريد، والانتقال إلى قوة عاملة عن بعد، التي حدثت وسط الوباء تجربة المستهلك التجارية جذرياً وأعادت تشكيل الاقتصادات.
وعلى الرغم من الاضطرابات المجتمعية، جلب الوباء معه فائدة غير متوقعة، وهي التحول الزلزالي بعيداً عن الاستجابة التقليدية للأزمات والاعتماد الجديد على التقنيات المتقدمة التي تساعد الشركات على مواكبة التغيير السريع وعلى مدى العامين الماضيين، شهدنا تسارعاً غير مسبوق للابتكار الرقمي الذي يحفز الإنتاجية ويدفع النمو ويعيد تصور كيفية تواصل المؤسسات مع أصحاب المصلحة الرئيسيين.
في صميم هذا التحول، تكمن المرونة الرقمية، «الوضع الطبيعي التالي» حيث تستفيد المنظمات المرنة من الاستراتيجيات الشاملة التي تعتمد على التكنولوجيا للاستجابة بسرعة للأحداث السلبية مع الحفاظ على تركيز قوي على القدرة التنافسية، وتخلق ميزة اقتصادية مهمة، وتهيئ المؤسسات للتحول بسرعة والتكيف مع الظروف المتغيرة، مع الحفاظ على استمرارية الأعمال بسلاسة، والاستفادة من فرص السوق.
وبالفعل، تركز الحكومات في جميع أنحاء العالم على بناء المرونة الرقمية من خلال إظهار التزامها بالتعاون الدولي نيابة عن مواطنيها ويُعد التصعيد الوشيك للمخاطر الإلكترونية الضارة وهجمات برامج الفدية أمراً محورياً يسترعي النقاش وقد حذّر المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» في تقريره الأخير «تقرير المخاطر العالمية» من تلك العقبات، ووصفها بالتحدي الرقمي الكبير.
ومع زيادة الحوافز لمعالجة التهديدات السيبرانية ومخاوف المرونة الرقمية، وافقت دول مجموعة السبع رسمياً على مشاركة خبراتها لمنع هذه الأنواع من المخاطر والتخفيف من حدتها وتعتبر هذه خطوة مهمة في حماية الأعمال التجارية على مستوى العالم أثناء تحولها السريع، كما اتفق وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في مجموعة السبع في بيانهم على العمل على الأولويات التي تضمن بقاء القطاع المالي العالمي مرناً ومحمياً بشكل جيد من تهديد الهجمات الإلكترونية.
اليوم، ومع تزايد الزخم العالمي من أجل تحول رقمي آمن ومضمون، يعتمد التعافي الاقتصادي والنمو على نهج ثلاثي المستويات قائم على التوازن بين «الابتكار» و«المرونة الرقمية» و«الحماية الإلكترونية القوية»، وهي ركائز ضرورية لكسب ثقة الأفراد والشركات في جميع أنحاء العالم والحفاظ عليها.
يجب أن نعمل معاً لبناء إطار متين من الثقة، ولا شيء له أولوية أكبر من حماية البيانات المهمة، فحجم البيانات الهائل التي يتم استهلاكها ونقلها في السنوات الأخيرة لم يعد تحدياً صغيراً ففي المتوسط، تدير المنظمات الدولية بيانات أكثر بعشر مرات مما كانت عليه قبل خمس سنوات، وذلك وفقاً لاستطلاع مؤشر «ديل تكنولوجيز 2021» العالمي لحماية البيانات، والذي أظهر أن 44% من الشركات العالمية المتخصصة في مجال تكنولوجيا المعلومات ممن شملهم الاستطلاع تعرضوا لمزيد من الهجمات الإلكترونية وفقدان البيانات خلال العام الماضي، وأن أكثر من 67% منهم يفتقرون إلى الثقة في إمكانية استرداد جميع البيانات المهمة للأعمال في حالة وقوع هجوم إلكتروني كما لا يعتقد 82% من العملاء أن منتج حماية البيانات الحالي لديهم كافٍ للتعامل مع تحديات الأعمال المستقبلية.
حان الوقت الآن لقادة الحكومات والأعمال للعمل معاً أكثر لتعزيز المرونة الرقمية وإطلاق العنان لتدعيم البيانات لصالح الجميع. وقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن رؤيته الإيجابية لعقد رقمي، وحدد هدفاً بموعد نهائي عام 2030 لمعالجة الثغرات في ثورة التكنولوجيا ودفع أجندة تحول الأعمال والبنية التحتية الرقمية الآمنة ورقمنة الخدمات العامة ودعم المهارات السيبرانية.
التقدم على طريق الصمود الرقمي لا يهيئ المؤسسات في القطاعين العام والخاص للتصدي لأزمة محتملة فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى تعزيز النمو الاقتصادي، وأحد الابتكارات الحيوية التي تُمكّن الاقتصاد هو اعتماد التقنيات الناشئة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، وإنترنت الأشياء ويمكن أن توفر هذه الأدوات التقنية المتقدمة كفاءات جديدة، وتسرع القرارات التي تعتمد على البيانات، وتساعد على طرح منتجات وخدمات ثورية في السوق بشكل أسرع من أي وقت مضى، مع الحفاظ أيضاً على الثقة في الاقتصاد الرقمي العالمي.
لكن لا يمكننا الاستفادة من هذه الفرص دون معالجة الأمن السيبراني ومعالجة النقص العالمي في موظفي الأمن السيبراني المؤهلين، فقد وصلت التكلفة الاقتصادية للانتهاكات الأمنية إلى مستوى مذهل من 4 إلى 6 تريليونات دولار في عام 2020، أي ما يعادل حوالي 4% إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بحسب صندوق الأمم المتحدة للمشاريع الإنتاجية.
على الصعيد العالمي، تضاعف عدد وظائف الأمن السيبراني أكثر من ثلاثة أضعاف من مليون في 2014 إلى 3.5 مليون في 2021 ويمكن للمؤسسات أن تخطو خطوات كبيرة إضافية في توفير التكاليف من خلال الحصول على دعم الرؤساء التنفيذيين للشركات ومجالس الإدارة لدعم الجهود التي تسد فجوة المهارات الإلكترونية.
في هذا العصر من الابتكارات التكنولوجية التي لا مثيل لها، يزداد الزخم العالمي من أجل التحول الرقمي السريع في جميع القطاعات والاقتصادات وطالما نحن ملتزمون بتعزيز المرونة الرقمية والتأكد من وضع ضمانات قوية على الإنترنت، سنشهد نجاح أجندة اقتصادية عالمية طموحة في السنوات المقبلة، وستدرك مجتمعاتنا الإمكانات الهائلة للثورة الصناعية الرابعة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"