«الدكتور» موسوليني

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

رفضت لجنة شكّلتها جامعة لوزان السويسرية للنظر في طلب قديم متجدد بسحب شهادة الدكتوراه الفخرية التي كانت الجامعة قد منحتها للزعيم الفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني، حليف هتلر في الحرب العالمية الثانية، وقررت الإبقاء على القرار المتخذ بمنح موسوليني تلك الشهادة في عام 1937.
الحق أن اللجنة أقرّت بأن منح موسوليني الدكتوراه الفخرية من الجامعة «كان خطأ جسيماً من جانب السلطات الأكاديمية والسياسية في ذلك الوقت»، مضيفة أن «هذا اللقب يشكل إضفاء للشرعية على نظام إجرامي وعلى أيديولوجيته»، لكنها على الرغم من ذلك ارتأت الإبقاء على قرار المنح الذي سببته الجامعة المعنية، في حينه، بالقول إن «موسوليني أوجد في وطنه منظمة اجتماعية.. ستترك أثراً عميقاً في التاريخ».
يبدو الأمر محيراً، كيف تقرّ اللجنة بأن القرار كان خطأ جسيماً، ولكنها على الرغم من ذلك أبقت عليه ولم تلغه، على الرغم من معرفتها أن المطالبات بإلغائه كثيرة وقوية ومتجددة، وهو ما أجابت عنه اللجنة بالقول إن سحب هذا اللقب من موسوليني «سيعطي انطباعاً خاطئاً بأن القرار الأصلي بمنحه الدكتوراه يمكن تصحيحه اليوم».
ذهبت اللجنة أيضاً إلى القول إن سحب الجائزة قد يدفع منتقدي الجامعة للاعتقاد أنها تريد محو الماضي. وأضافت في بيان: «بدلاً من إنكار أو محو هذه الواقعة التي تشكل جزءاً من تاريخها، تريدها إدارة جامعة لوزان أن تكون بمثابة جرس إنذار دائم».
لا نعلم ما إذا كان هذا القول يبدو مقنعاً بما فيه الكفاية، فهل أرادت اللجنة القول إن إلغاء القرار سيساعد في نسيان الرجل الذي كان شريكاً في ارتكاب فظائع ضد الأبرياء في الحرب العالمية الثانية، وأعدم من الثوار في أبريل/نيسان 1945، في نهايات الحرب، وإن الإبقاء على منح الجائزة سيجعل ذاكرة تلك المرحلة الصعبة باقية، أم إنها أرادت القول (وهذا يبدو مقنعاً أكثر) إن الإبقاء على القرار سيجعل الأجيال القادمة تتذكر السلوك الخاطئ في التعامل مع الفكرتين الفاشية والنازية في بداياتهما، ما ساعد في تمكينهما لاحقاً، الذي دفعت أوروبا والبشرية عامة ثمناً باهظاً جراءه.
مؤرخون ونقّاد كثر توقفوا عند حقيقة أن التاريخ لم يلعن موسوليني بالدرجة نفسها التي لعن بها حليفه الديكتاتور النازي الألماني هتلر؛ بل إن الانبعاث الراهن للأفكار العنصرية والمتطرفة في أوروبا، الذي يأخذ في بعض صوره، شكل الحنين لماضيها، يركز على صورة هتلر وشعارات حزبه النازي، ولا يلتفت بالمقدار نفسه لموسوليني، حتى داخل وطنه نفسه، إيطاليا، على الرغم من أن الأخير كان هو الآخر، في عين مريديه في زمنه، يتمتع بكاريزما وقدرات خطابية واضحة، ولكن يبدو أن التاريخ انتقائي حتى في هذا.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"