عادي

تعرف إلى علم «الفولكلور»

21:52 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

يعتبر كتاب «فنون الأدب الشعبي» لأحمد رشدي صالح من أوائل الكتب التي اهتمت بالأدب الشعبي، بشكل علمي، وقد أعادت الهيئة العامة لقصور الثقافة إصدار الكتاب، ضمن سلسلة الهوية، حيث يرى أحمد صالح أنه لا انفصال بين الأدب الشعبي وبقية فروع التراث الفني، وأن هذا الأدب وذلك التراث، ينبغي ألا نقصر البحث عنهما في المجتمعات المتأخرة والقبائل البدائية، أو العشائر المعزولة عن تيار الحضارة الحديثة، بل نعني بالأدب الشعبي عامة، هذا الفن البلاغي الذي أنتجته الجماهير بلغتها، وتداولته على مر القرون، ثم صار في تاريخه الحديث يضم الأدب والفكرة الوطنية، متى كانت العامية أداته، ومن هنا يعتبر جزءاً من الفولكلور، وتاريخه بعض تاريخ الفولكلور.

يرى صالح أننا يمكن أن نطلق كلمة فولكلور على التراث الروحي والفني، كما نستطيع أن نطلقها على النظريات والمناهج العلمية التي صنعها العلماء منذ أوائل القرن التاسع عشر، وطبقوها في دراسة ذلك التراث، وهنا يشير المؤلف إلى أن ج. تومس هو أول من استخدم الكلمة في خطاب نشر في 22 أغسطس سنة 1846 في إحدى المجلات، لكنه لم يكن مؤسس ذلك العلم الحديث، بل الأصح أنه في أثناء الحركة الرومانسية خلال القرن التاسع عشر ذاع في دول أوروبا الناهضة ميل إلى الأساطير والأغاني والأقاصيص الشعبية.

يقول جورج فايل: «تغيرت الأحوال في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ففي كافة البلاد السلافية، رصد علماء الفيلولوجيا والمؤرخون والأدباء جهودهم للكشف عن المجهول والماضي وبنائه من جديد، فجمعوا الأغاني الشعبية، وحققوها، وهي التي حفظها النقل الشفاهي عند الفلاحين، وكانوا قد بحثوا عنها في مكتبات المدن والأديرة، والتمسوها في التقاويم القديمة وسواها».

في النصف الأول من القرن التاسع عشر انتشر تيار العناية بالفن الشعبي، لكن الفولكلور انتظم كعلم في ألمانيا، حيث تأثر عدد من علماء الأدب واللغة بنمو الروح الوطنية التي صورتها كتابات شلنج وهيجل، والتي أذكتها الثورة الفرنسية، ونجد شيئاً من هذا يقع في إنجلترا، فيجمع فرانسز جروت المفردات والتعابير الدارجة وينشر الكتاب عام 1785 ولم يكن مصادفة أن يصدر ذلك الكتاب قبيل الثورة الفرنسية، عندما تنبه اهتمام الناس إلى حياة الطبقات الدنيا ولغاتهم.

في هذا الوقت الذي كانت تنبعث فيه قوميات أوروبا، لتكون دولاً حديثة، بدأ تيار الفولكلور، وبدأ الاهتمام بحياة الطبقات الشعبية، وخلال الفترة الأخيرة من تاريخ العالم وضعت الدراسات الفولكلورية موضع التنفيذ، فبعثت إلى الحياة لغات قوميات كانت دارسة في شرق أوروبا، وتحركت النهضة الفنية على أساس من الأغاني والألحان الفولكلورية.

كان ميلاد علم الفولكلور إذاً، كما يوضح الكتاب، في أحضان حركة بعث القوميات الحديثة، وتأثر منذ البداية بشتى العلوم والنظريات التي أتت بها الصناعة والتجارة في مضمارهما الحديث، فمن المعروف أن الضرورة التاريخية هي التي تسمح لهذا العلم أو ذاك بأن يتأسس، فمثلاً كان من المتعذر تماماً أن يوجد الاقتصاد السياسي كعلم له قواعده ونظرياته، قبل كسر النظام الإقطاعي، وقبل وجود السوق التجارية الواسعة، ثم الثورة الصناعية.

كانت في كتب الأوائل آراء مبعثرة وأحلام خيالية عن تنظيم الإنتاج وعلاقاته، لكن كيف كان يمكن أن يتصور عالم من العلماء هذه العلاقات المعقدة الواسعة، إلا بعد أن يوجد لها أساس مادي، وقبل أن تنمو من عوامل التجارة والصناعة المتجهة إلى السوق، لا إلى الاستهلاك الشخصي؟ وهكذا نجد أن كافة العلوم الحديثة، سواء كانت متعلقة بالطبيعة أو بالمجتمع الإنساني، هي جميعاً ابنة السنوات الأخيرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"