عنصرية السينما

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

قبل نحو خمسين عاماً، بالضبط في العام 1973، وفي لحظة تكريم الممثل مارلون براندو بجائزة أفضل ممثل عن فيلم «العراب»، ونيابة عنه صعدت امرأة من الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين، إلى المسرح مرتدية فستاناً من جلد الغزال وحذاء موكاسين تقليدياً خاصاً بأولئك السكان، لا لتسلم الجائزة، وإنما لإلقاء كلمة احتجاجية لم تستغرق أكثر من 60 ثانية، قالت فيها إن براندو لا يمكنه قبول الجائزة بسبب «معاملة صناعة السينما للسكان الأصليين لأمريكا».
لم تكن السينما الأمريكية وحدها مصابة بلوثة العنصرية، وإنما الكثير من الحضور في القاعة الذين ألقت المرأة كلمتها القصيرة أمامهم، حيث سرعان ما انطلقت صيحات استهجان وتنمّر على ساتشين ليتل فيذر، وهو اسم المرأة، التي سجلت سابقة شجاعة، حيث كانت أول أمريكية من السكان الأصليين تقوم بذلك في حفل توزيع جوائز الأوسكار، ولم يقف الأمر عند حدود ما نالته من إساءة من قبل الحضور، أو بعضهم، فقد قالت ساتشين ليتل فيذر إنها تعرضت للسخرية والتمييز والهجوم بسبب ظهورها القصير في ذلك الحفل، على مدار السنوات التالية.
ومؤخراً فقط، بعد نصف قرن على تلك الواقعة، قررت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة الاعتذار من المرأة التي أصبح عمرها اليوم خمسة وسبعين عاماً، بسبب الأذى الكبير الذي تعرضت له على مدار سنوات لأنها احتجت على عنصرية «هوليوود» تجاه بني قومها، الذين ولدوا ونشأوا في البلد قبل أن يأتي إليه الأوروبيون، الذين لم يكونوا، يومها، سوى غزاة.
الأكاديمية المذكورة أعلنت أنها ستستضيف ليتل فيذر في أمسية «حديث وتضميد جراح واحتفال» يوم 17 سبتمبر/أيلول المقبل. وقال رئيس الأكاديمية موجهاً خطابه لها: «الإساءة التي تعرضت لها كانت غير مبررة. العبء العاطفي الذي عايشته وتكلفة ذلك على حياتك المهنية لا يمكن تعويضهما. لم يتم الاعتراف بالشجاعة التي أظهرتها لفترة طويلة للغاية. لهذا نقدم لك عميق اعتذارنا وإعجابنا الصادق»، واصفاً كلمة ليتل فيذر، يومها، بأنها «بيان قوي يستمر في تذكيرنا بضرورة الاحترام وأهمية كرامة الإنسان».
قد لا يكفي هذا الاعتذار للشفاء من الجرح، لكن ليتل فيذر قالت: «إنه لأمر مشجع للغاية أن نرى مدى التغيير الذي طرأ منذ ذلك الحين».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"