أجندة بريطانيا المناخية إلى الوراء

21:16 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*

مع انتخاب ليز تراس (أو حتى وزير المالية في حكومة المحافظين ريشي سوناك)، رئيساً لحزب المحافظين، ورئيساً للوزراء، خلفاً لبوريس جونسون، ستَطوي لندن صفحة تغير المناخ، وهي التي زاحمت إيطاليا من أجل استضافة آخر مؤتمرات الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (1992)، واتفاق باريس لتغير المناخ (2015)، وذلك في غلاسكو (من 31 من أكتوبر إلى 13 من نوفمبر 2021 COP26).

كان الاثنان قد أكدا (لفظياً) التزامهما بالهدف الصافي للانبعاثات الصفرية في بريطانيا، لكن ليس لديهما الكثير ليقدّمانه حول كيفية تحقيق ذلك. علاقة سوناك بتغير المناخ ضعيفة، أما ليز تراس، فهي معروفة بارتباطاتها بمراكز الأبحاث المناهضة للتغير المناخي التي تتمول سرياً. أجندتها لرئاسة الحكومة تؤكد ذلك، فقد التقت بمراكز الأبحاث هذه في بريطانيا وأمريكا، ودعمت في عام 2012 إنشاء مدرج ثالث في مطار هيثرو، ومدرج رابع يتجاوز حدود مساحة المطار، وخفضت كوزيرة للبيئة في عام 2014 الدعم المقدّم لمزارع الطاقة الشمسية، واصفة إياها ب«آفة على المناظر الطبيعية»، ودعمت أنشطة التكسير الهيدروليكي لاستخراج النفط والغاز الصخريين، كما تعهدت لقطاعات المال والأعمال، بإحداث تخفيضات ضريبية كاسحة، وهو ما يلغي هدف صافي صفر انبعاثات، ودفع حصة لندن في تمويل مبادرات التخفيف والتكيف في الدول النامية، باعتبار بريطانيا إحدى أكبر الدول المسؤولة تاريخياً عن تركيز الانبعاثات، بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ لعام 1992، واتفاق باريس للمناخ لعام 2015. وكان قاض في المحكمة العليا قد قرر أن استراتيجية صافي صفر انبعاثات الحكومية، غير كافية، وأمهل الحكومة حتى مارس 2023 لتعديل أرقامها.

ريشي سوناك المرشح الثاني المنافس لتراس، لا يختلف عنها كثيراً من حيث علاقته العابرة بقضية تغير المناخ. فهو كان وراء خطة الحكومة البريطانية في نوفمبر 2021، لخفض ميزانية المساهمة البريطانية في الجهد الدولي لمساعدة الدول النامية الأكثر فقراً من 0.7% من إجمالي الناتج المحلي، إلى 0.5%. ونتيجة لذلك خُفضت ميزانيات برامج مساعدة المدن في جميع أنحاء العالم للتعامل مع تغير المناخ، علماً بأن هذا الالتزام منصوص عليه في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 1970، الذي طالب الدول المتقدمة بتخصيص نسبة 0.7% من إجمالي ناتجها المحلي لمساعدة الدول النامية في تنفيذ برامجها التنموية. وبينما رفضت بعض الدول مثل أمريكا وسويسرا، الالتزام بالقرار، فإن قلة من الدول المتقدمة التزمت به، من بينها السويد وهولندا والنرويج والدانمارك، وفنلندا ولوكسمبورغ. ريبيكا نيوسوم، رئيسة الشؤون السياسية في منظمة السلام الأخضر البريطانية، علقت في بيان لها على خطة سوناك لخفض المساهمة البريطانية المذكورة، بالقول إن قرار خفض ميزانية المساعدة «سيقوّض بشكل أساسي قيادة المملكة المتحدة لقضايا المناخ» (اعتباراً بأن بريطانيا ترأس الدورة الحالية لمؤتمر الأطراف (COP-26) الذي استضافت نسخته الأخيرة مدينة غلاسكو الأسكتلندية)، واعتبرت أن هذا الخفض «سيعيق قدرة البلدان الفقيرة على التعامل مع حالة الطوارئ المناخية والتكيّف معها، وسيؤدي إلى إفساد العلاقات الدبلوماسية للمملكة المتحدة».

كما قام ريشي سوناك، بصفته وزيراً للمالية، بخفض الضرائب على التكنولوجيا منخفضة الكربون. وتحت ضغط حزب العمال المعارض، أعلن سوناك عن فرض ضريبة بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني (6 مليارات دولار) على شركات النفط والغاز، التي جنت أرباحاً طائلة من العملية الروسية في أوكرانيا، لكنه أبقى في المقابل على المزايا الضريبية الأوسع لشركات النفط والغاز، على الرغم من معارضة لوبيات المناخ في مجلس العموم. وقبل استضافة بريطانيا لمؤتمر الأطراف في غلاسكو، خفض سوناك الضرائب على الرحلات الداخلية ومعها زاد مستوى الانبعاثات بطبيعة الحال. وفي ضوء أزمة الطاقة في أوروبا، الناجمة عن الأزمة الأوكرانية والعقوبات الغربية على مصادر الطاقة الأحفورية الروسية (النفط والغاز والفحم)، فإن بريطانيا مضطرة لإعادة إحياء قطاع الطاقة النووية، لكنها تفتقر إلى التمويل وإلى الخبرات وإلى الوقت. فإطلاق مشروع محطة سايزويل سي النووية الذي تنفذه شركة EDF الفرنسية، يحتاج إلى تمويل يناهز 20 مليار جنيه إسترليني، وإلى بضع سنوات من أعمال التشييد، وهو ما سيجبر بريطانيا على تكثيف عمليات استخراج النفط والغاز من بحر الشمال بأقصى طاقة ممكنة، ما يقع على تضاد مع الأجندة المناخية البريطانية من جديد.

لكن بريطانيا ليست الدولة الأوروبية الوحيدة التي بدأت تتحلل من التزاماتها المناخية. فأوروبا بمجملها التي صدّعت رؤوس العالم بأجندتها المناخية المتطرفة، هي اليوم في صدارة منتهكي الالتزامات المناخية الدولية.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4tcjtdfc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"