الصين قوة استثنائية

21:45 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة*
روسيا مهمة جداً للاقتصاد الغربي، أقله في صادرات النفط والغاز إلى أوروبا وخاصة إلى ألمانيا. تعوض الولايات المتحدة وغيرها بعض الغاز لكن هذا مؤقت وغير كاف. وقف الصادرات الروسية أو تقليصها لن يضر فقط بالطرفين بل بمجموعة شركات أعمال تستفيد من بيع ونقل هذه السلع. روسيا مهمة للغرب في المواد الأولية من طاقة وغذاء، وكذلك أوكرانيا في الحبوب والمعادن. أما الصين، فاقتصادها 10 مرات أكبر من الاقتصاد الروسي وهي تنتج سلعاً متطورة يحتاج إليها كل العالم وليس الغرب فقط.

الاقتصادان مختلفان جدا أي تقليدي روسي يرتكز على المواد الأولية وصيني صناعي تكنولوجي متطور معروف خاصة بسلاسل التوريد. مكانة الصين كبيرة كمستهلك للسلع الغربية وخاصة لسلع الاستهلاك الأوروبية الباهظة الثمن. هنالك شريحة سكانية واسعة في الصين لها القدرة على شراء أغلى السلع والتحف والملابس. مجتمع صيني ميسور يغزو أسواق الاستهلاك العالمية بجرأة ونوعية تشبه التسوق الياباني في القرن الماضي.

يقدر الاحتياطي النقدي الصيني ب 3 آلاف مليار دولار أي 6 أضعاف ما تملكه روسيا بالإضافة إلى أن الصين أقرضت وتقرض الولايات المتحدة لتمويل استهلاكها الداخلي. فالصين تملك كميات كبيرة من سندات الخزينة الأمريكية اشترتها ولا تزال لتمويل العجز المالي الأمريكي. أمريكا دولة عظمى تعطي أهمية كبرى للاستهلاك ولمستوى المعيشة والحريات الفردية، والصين دولة عظمى تعطي أهمية كبرى للادخار والنمو والعمل الشاق الصامت للتقدم. النشاط الادخاري الصيني كان سببا أساسيا لبقاء الفوائد العالمية لمدة طويلة أدنى بكثير مما كان يمكن أن تكون عليه. أمريكا تحاول الحفاظ على قوتها بينما الصين تحاول تطوير قوتها للفوز بحصة أكبر في الاقتصاد والنفوذ العالميين.

لتقييم أهمية الصين في الاقتصاد العالمي لا بد من العودة إلى صراعها التجاري مع الولايات المتحدة خلال سنتي 2018 و 2019 والذي أبعدهما عن مبادئ حرية التجارة العالمية ودورها في محاربة الفقر وتحقيق التنمية. وضعت كل منهما تعريفات جمركية إضافية على تجارة السلع بينهما والتي تقدر ب 450 مليار دولار. انخفضت التجارة الثنائية، لكن ماذا كان تأثير ذلك على التجارة الدولية في السلع نفسها؟ تشير الإحصائيات إلى أنها ارتفعت 3% بسبب دخول دول أخرى إلى الأسواق وتقديم سلع جديدة أو مشابهة.

انخفضت الصادرات الأمريكية إلى الصين بنسبة 26,3% بينما ارتفعت الصادرات الأمريكية إلى بقية دول العالم 2,2% فقط. أما الصادرات الصينية إلى أمريكا، فانخفضت 8,5% بينما ارتفعت إلى بقية دول العالم 5,5%. هنالك دول استفادت من الصراع لتعزيز دورها التجاري كفرنسا التي زادت صادراتها إلى أمريكا وغيرها. مزايا العرض والطلب تحدد موقع كل دولة تجاه الصراع الأمريكي الصيني. الحرب التجارية بين الجبارين سببت الأذية لهما دون أن ينعكس ذلك على الاقتصاد العالمي. وقوف الصين تجاريا في وجه الولايات المتحدة والغرب يشير إلى قوتها المتزايدة سياسيا واقتصاديا والتي ظهرت جليا في مواقفها تجاه تايوان الصينية.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4vcwca58

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"