عادي
أفكار لا علاقة لها بالممارسة الواقعية

الفلسفة السياسية.. فكر متحفي

15:07 مساء
قراءة 3 دقائق
القاهرة: الخليج
غالباً ما يأتي ذكر الفلسفة في السياق السياسي، بوصفها إرثاً تاريخياً فحسب، فقد أصبح علم السياسة المتحدث الرسمي باسم الظاهرة السياسية، كما تم استبدال لفظ «الفلسفة» بلفظ «النظرية» لتكون النظرية السياسية مجالاً خاصاً للبحث السياسي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، توقف المشتغلون بالفلسفة عن إمدادها بالجديد والجدير بالاهتمام.
هكذا أصبحت الفلسفة السياسية «متحفية» الطابع، بوصفها دلالة على آثار الفكر السياسي الكلاسيكي، إلا باستثناء تلك المحاولات المعاصرة الجادة من الفيلسوف «كرولز» مثلاً، وقلة من مفكرين وفلاسفة معاصرين أقل تأثيراً.
يؤكد د. ياسر قنصوة في كتابه «في فلسفة السياسة.. قراءة جديدة» أنه عندما نتأمل نشأة الفلسفة السياسية نكون بصدد أسئلة تدفع المفكر أو المنظر السياسي للإجابة عنها بطريقة أكثر شمولية واتساعاً، حيث تكون طبيعة المجال الفلسفي التي تمنحها صورة أكثر إلماماً بالعالم.
ومن خلالها يمكن تقديم تفسير فلسفي مناسب لقضية أو مسألة إنسانية ملحة، وتظل قيمة الفلسفة السياسية مرهونة بقدرتها على كشف المعوقات أو العوامل التي تحول دون تحقيق المعنى السياسي الفاضل للحياة الإنسانية، وعندما ترسم الفلسفة دائرة حول تلك المعوقات – الجانب السلبي – فإنها تطرح إمكانية إزالتها أو كبح جماحها، مع تأكيد العوامل الأخرى التي تساعد على تشكيل صورة للعالم الذي نتطلع إليه.
كما يقول قنصوة فإنه من المتعذر أن يملك الفيلسوف أو المفكر السياسي تلك المعرفة الشاملة، التي تمكنه من الفهم الكامل لكل جوانب القضية أو المسألة، إنه يملك نظرة فحسب، ولهذا فبوسعه تقديم رؤية للعلاقات الرئيسية القائمة في بنية المجتمع الإنساني من أجل التعامل مع السؤال المثار، ومحاولة الإجابة عنه.
وعبر هذه الرؤية يحاول الفيلسوف المفكر رسم صورة تكشف عن التفاصيل الأساسية التي تتيح لنا استكشاف طبيعة الواقع، وبالتالي إمكانات التغيير، وإذا كانت الرؤية وجهة نظر خاصة، فإنها تعني في المقابل وجهة النظر المضادة على مستوى الفهم والوعي، ومن هذه الزاوية تكتسب الفلسفة السياسية حيويتها، وأيضاً قيمتها، حيث لا تعد مدخلاً معيارياً لنسق التحليل السياسي فحسب، بل حواراً بين الأفكار والرؤى، وبين النظريات المتباينة والمختلفة حول ماهية الأفضل، وذلك من أجل الإسهام في حل معضلة أو إجابة سؤال.
يظل السؤال هو: هل ما زالت الفلسفة السياسية تحمل إمكانية تأصيل الجديد من بين ثناياها القديمة ؟ هذا السؤال هو ما يحاول هذا الكتاب الإجابة عنه من خلال تصورين:
الأول: الكشف عن نشأة الفلسفة السياسية في ضوء العلاقة بين الفلسفة والسياسة، ومن ثم كيفية التناول الفلسفي للظاهرة السياسية، التي يعد البحث المعرفي منذ سقراط السبيل إلى معالجتها، مع مراعاة الارتباط الوثيق بين ما هو أخلاقي وما هو سياسي.
ويأتي العصر الحديث بالتصور الثاني، حيث ينحسر التناول الفلسفي للظاهرة السياسية، ويفرض الواقع السياسي شروطه: أولها البحث عن إطار نظري يضفي الشرعية على ممارسات الواقع، ولذا يبدو الاهتمام بالفلسفة سبيلاً إلى التبرير عبر رؤية تفسيرية للواقع السياسي، ومن هذه الزاوية تتم قراءة النص اليوناني الكلاسيكي قراءة جديدة على يد «مكيافيللي» ليعيد ترتيب أولويات العمل السياسي، فتحل القوة محل الفضيلة، ويتنازل الفيلسوف الحاكم أو الحاكم الفيلسوف عن موقعه للحاكم السياسي البارع، أو القادر على البطش بخصومه، مع التظاهر بالمبادئ الأخلاقية.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mwdvv2w6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"