عادي
لوحة ذات شعبية جارفة

«طاهية البيض».. اللون في أجمل صورة

23:23 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

الفنان دييغو بيلاثكيث، «1599 1660»، صاحب إبداعات فنية وممارسات جمالية خالدة، وهو أحد أهم ممثلي الرسم الإسباني، ومن أفضل كبار الرسامين في العالم، عاش السنوات الأولى من حياته في إشبيلية، وفيها عمل على تطوير أسلوب طبيعي من الإضاءة القاتمة نسبة لتأثره بمدرسة الفنان الفرنسي الكبير كارافاجيو، لينتقل بعدها إلى العاصمة مدريد، وهناك عيّن رساماً للملك فيليب الرابع، ملك إسبانيا، ليرتقي بعدها ويصبح رسام البلاط الملكي الذي يعتبر أهم المناصب لرسامي القصر، فكان أن اجتهد في عمله، ورسم بورتريهات للملك، ولأسرته، وكذلك ألواحاً أخرى مصممة لتزين القصور الملكية، وأتاح وجوده في القصر أن يدرس مجموعة واقعية من الرسم، جنباً إلى جنب لما تعلمه في رحلته الأولى إلى إيطاليا، إذ اقبل هناك على تعلم الرسم القديم، الذي كان سائداً في عصره، الأمر الذي مكّنه من تطوير أسلوب يتميز بالإضاءة والألوان، والأشكال، وظل في كل مرحلة عمرية من حياته يكتسب أساليب وأدوات جديدة، وصنف كرسام عالمي في وقت متأخر في 1850، وبلغت ذروة شهرته ما بين عامي 1880و1920 ويصادف ذلك فترة الرسامين الفرنسيين التابعين لاتجاه الانطباعية، ويُعد بيلاثكيث بالنسبة إليهم مرجعهم وقدوتهم، كما وصفه الفنان الفرنسي إدوارد مانيه ب«رسام الرسامين»، فهو يعد من أميز فناني الأسلوب الباروكي الإسباني.

تعتبر لوحة «طاهية البيض»، أو «عجوز تطهو البيض»، من أشهر أعمال بيلاثكيث، ورسمها في فترة شبابه في إشبيلية عام 1618، وكان ذلك بعد عام واحد من امتحانه كرسام، وهي تنتمي إلى «الواقعية الشديدة»، التي تميز بها، وتستند على تقنيات استثنائية وبراعة في استخدام الإضاءة، ولقيت اللوحة نجاحاً وقبولاً كبيرين، وقادتها شعبيتها الجارفة إلى تحوّلها إلى واحدة من أكثر الأعمال البارزة في تاريخ الباروك الإسباني، وذلك يشير إلى الإمكانات الكبيرة لدى بيلاثكيث، الذي أبهر الكثير من الفنانين بل والأدباء كذلك.

ذكر الكاتب والرسام والمؤرخ الإسباني الكبير، أنطونيو بالومينو، الشهير في القرن ال 18: «داخل لوحات بيلاثكيث نجد الهواء الطلق، والأبعاد الحقيقية، والإضاءة الواقعية واللون في أجمل صورة، إذ كان يميل للألوان اللامعة والإضاءة في مزجه الأخضر مع الأزرق والأبيض، ورسوماته الزيتية تحمل حيوية رقيقة وصادقة». ورغم من أن بيلاثكيث كان من فناني عصر النهضة الإسبانية، لكنه لم يعتمد في مشاهده على المناظر المأخوذة من الطابع الديني، ولعل المتأمل في «طاهية البيض»، يلاحظ تلك البراعة العجيبة في توزيع الألوان وتوظيف الإضاءة.

وصف

تضعنا اللوحة أمام مشهدية تدور أحداثها داخل مطبخ يبدو في شكل متناسق بمزجه الفريد لعناصر النور والظلال، وتظهر في المشهد شخوص وتفاصيل أخرى تنتمى إلى المطبخ، فهنالك المرأة العجوز بطرحة على الرأس، وقميص بلون بني داكن، وطفل بلباس أسود، وهما يتصدران المشهد الأساسي للوحة، أو المستوى الأول البارز، فيما يبدو ضوء ساطع ينبثق من جهة اليسار، يسلط نوره على الأشخاص في مشهد المطبخ، ويبدو من خلال تفسير العمل أن البطل الأساسي في اللوحة هي السيدة العجوز التي تمارس مهمة طهو البيض في قدر من الفخار يبرز في مركز مشهد اللوحة، وتحمل السيدة ملعقة من الخشب في يدها اليمنى، تعينها في عملية القلي، فيما تحمل في يدها اليسرى بيضة أخرى ربما ستقوم بكسرها على حافة الإناء الخاص بالطهي، بينما يظهر إلى جانب العجوز طفل يبدو كانه قد حضر للتو من الخارج، وربما يعاني الجوع، وهو يقف في انتظار تحضير الطعام، ويحمل في يده اليمنى ثمرة شمام، بينما يقبض بيده اليسرى على قارورة، وفيما توجه المرأة العجوز نظراتها صوب الطفل، كأنها كانت في انتظاره، نجد أن الصبي يوجه نظراته في جهة أخرى، ربما صوب الطعام.

تفاصيل

في اللوحة، يلاحظ الناظر حشداً من الأشياء والتفاصيل والعناصر المتعلقة بالطبخ، فتظهر سلة من الصفصاف فيها قطعة قماش معلقة على الحائط، وقنديل إنارة من النوع الذي يضيء بالزيت، إضافة إلى مجموعة من أدوات الطبخ أمام السيدة العجوز، فهناك آنية خضراء اللون بجوارها، وأخرى خزفية ذات لون أبيض، كما توجد مدقة يد، وصحن خزفي يتوسطه سكين، إلى جانب قِدر برونزي يحتك بآخر فخاري، كما يظهر القليل من الفلفل الأحمر والبصل.

براعة

وتشير دراسة حول تفاصيل وعناصر اللوحة، إلى براعة الفنان وروعة كل عنصر على حدة. ويرى بعض النقاد أن هناك نوعاً من التعارض بين عنصري النور والظل في اللوحة، غير أن الفنان نجح من خلال ذلك التناقض في خلق بنية فنية متناسقة؛ أي تناسق يقوم على التعارض بين العناصر، ويشير النقاد إلى أن الفنان نجح في إتقان المؤثرات البصرية أثناء رسم اللوحة، حيث قام بعملية عرض للمراحل التي يمر بها البيض النّيء قبل أن يصل إلى مرحلة الطهي عن طريق قليه، واستطاع أن يقدم عملاً رائعاً ذا تركيبة معقدة، حيث إن للضوء دوراً حاسماً وكبيراً في اللوحة التي عكست صورة شديدة الإبهار، ويتمثل ذلك في تصوير لحظة تحطيم البيض، واهتزاز الملعقة، وحركة القدر بداخله البيض والزيت، الأمر الذي خلق مشهدية حية أمام الناظر، وبينما تلك التفاصيل والعناصر تشي بالحركة، فإن البطلين، «العجوز والطفل»، ظلا ثابتين ومن دون أن يحدث أي اتصال بينهما، ومن خلال ذلك التناقض والتعارض قدم الفنان مشهدية بصرية عالية.

معارض

اعتبرت اللوحة أيقونة فنية، وتم عرضها لأول مرة، إلى جانب إبداعات أخرى للفنان في عام 1698، في قائمة أعمال نيكولاس دي أوماثور، وهو تاجر فلامنكي استقر في اشبيلية، وفي أوائل القرن التاسع عشر وُجدت اللوحة في إنجلترا، ضمن مجموعة جون ولت، وتم بيعها في مزاد في لندن في عام 1813، وتوجد اللوحة الآن في معرض اسكتلندا الدولي، وتحديداً في العاصمة أدنبرة، منذ عام 1955.

الصورة
1
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yb9nfdd6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"