إسكتلندا في مرحلة ما بعد بريطانيا الاستقلال بين الحلم والحقيقة
مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واندلاع أزمة وباء كورونا العالمي، ظهرت نقاشات سياسية حادة متعلقة باستقلال إسكتلندا، لكن هل يلبي الاستقلال تطلعات الشعب الإسكتلندي في تحسين حياتهم على كافة المستويات؟ يحاول هذا الكتاب تقديم وصف واضح لماهية الاستقلال، ويتطرق إلى الإشكاليات السياسية والديمقراطية داخل بريطانيا.
يطالب هذا الكتاب، الصادر في أغسطس 2022 عن دار فيرسو للنشر ضمن 256 صفحة، بالإخلاص للمعنى الحقيقي لكلمة الاستقلال، ويجد أنه ينبغي ألا يعني فقط الانفصال عن الدولة البريطانية، بل أيضاً من سجن التجارة الحرة والعسكرة التي تسببت في أزمات متتالية. الأهم من ذلك كله، يجب أن يعالج الاستقلال بصدق المظالم الهائلة المتعلقة بالدخل والثروة والسلطة التي يعانيها المجتمع الإسكتلندي، من خلال استعادة القوة لمجتمعات الطبقة العاملة والناخبين.
يسلط الكتاب الضوء على السياسات المؤيدة للاستقلال، منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واندلاع وباء كورونا العالمي. وتعد القضية الإسكتلندية أكبر تصدع في الدولة البريطانية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. بدون شك، زاد نشاط حركة الاستقلال جراء خيبة أمل الجماهير من الوضع الراهن، ومع ذلك يستمر الحزب الوطني الإسكتلندي في الحكم كما لو أن خيبة الأمل هذه لم تحدث أبداً، ويبدو أن قيادة الحزب متناقضة بشكل متزايد بشأن مخاطر المطالبة بالاستقلال. الأهم من ذلك كله، لا تزال الدولة البريطانية معادية للسماح بإجراء استفتاء ثان بعد الاستفتاء الأول في 2014.
أين إلى تمضي إسكتلندا؟
يبحث الكتاب في كيفية ظهور القضية الوطنية الإسكتلندية من الأطراف السياسية ليصبح الصراع البريطاني الأكثر ديمومة، وفي بعض الأحيان الأكثر إثارة للانقسام، في حين أن إسكتلندا هي محور التركيز في هذا العمل. يقول مؤلفو الكتاب: «إننا ندرك أن أي اعتبار للاستقلال يطرح أيضاً أسئلة أوسع حول المملكة المتحدة، وهي دولة متعددة الجنسيات في فترة ما بعد الاستعمار، ولها دور كبير في الشؤون العسكرية والاقتصادية للعالم. في الآونة الأخيرة، مع استفتاء إسكتلندا عام 2014، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإعادة تسييس الحدود الإيرلندية، شهد محيط المملكة المتحدة صعوداً في دورها لتشكيل مستقبل الدولة. بمعنى ما، لا يوجد شيء «بريطاني» خاص بشأن هذه الثورات الإقليمية. إنها تعكس أسئلة أوسع نطاقاً حول الفشل الاقتصادي، والعجز الديمقراطي، والعواقب غير المقصودة لانهيار السياسة التمثيلية القائمة على الطبقة».
ويضيفون: «إن «الشعبوية» هي المعيار (وإن كان غير كافٍ) للتعبير عن هذه» «المشكلة»، والتي بموجبها تخلى الناخبون «المتخلفون عن الركب» عن انتماءاتهم السياسية التقليدية مقابل وعود بالتغيير أو التمرد. ولكن نظراً لأن بريطانيا دولة غريبة، فقد أحدثت هذه الرياح العاتية آثاراً دائمة لم تصمد أمامها فحسب، بل أعادت هيكلة الدولة بشكل قاطع. يعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حتى الآن، هو الأمر الأكثر إشكالية من بين هذه التحولات».
ويشيرون إلى أن «تفكك الدولة البريطانية بشكلها الحالي يمكن أن يساعد في إطلاق العنان للطاقات الديمقراطية داخل حدودنا وخارجها. في حين أن الكثير سينتقد التعابير السائدة الخاصة بالقومية الإسكتلندية، إلا أن حماسنا لنوع معين من الاستقلال الإسكتلندي، إن وجد، قد نما فقط مع كتابة هذا العمل. على الرغم من كل عيوبها، كانت حركة الاستقلال مثالاً ملهماً على كيفية قيام التعبئة الشعبية في المجتمعات على الأطراف والطبقة العاملة بإعادة رسم خريطة سلطة الدولة. سيكون اليساريون حمقى إذا تجاهلوا هذا الانفصال عن جيل من الواقعية الرأسمالية الجبرية، والتي تجسدت في عبارة مارغريت تاتشر «لا يوجد بديل». ولكن مع بلوغ حركة الاستقلال ذروتها وتلاشيها بعد استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أصبح اهتمامنا في السياق التحليلي أكثر. قدمت إسكتلندا وجهة نظر حول مجموعة كبيرة من المشكلات، وهي الأزمات المتفاعلة للرأسمالية والسياسة الديمقراطية (الاجتماعية) التي أعقبت انهيار اليقينات النيوليبرالية التي سادت في التسعينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين».
مشكلات سياسية عميقة
يتناول الكتاب قصة النجاحات الأولى لليسار والفشل النهائي خلال الاضطرابات الراهنة في عصرنا وأنواع التعبئة السياسية اللاحقة. يقول المؤلفون: «يتعلق الأمر جزئياً بما حدث من خطأ وما قد يتطلبه الأمر لإصلاحه. تخيل بيتر ماير، عالم السياسة الإيرلندي الراحل، السياسة المعاصرة على أنها «فراغ» يفصل الدولة عن المواطنين ومصالحهم الاجتماعية المنظمة. وكانت النتيجة «شعب لا يتمتع بسيادة» منفصل عن السلطة العامة، وطبقة حاكمة منفصلة تدير بقايا الديمقراطية الجوفاء. كانت الحركة الوطنية في إسكتلندا رد فعل ضد هذا الفراغ وإثباتاً ساخراً لاستمرارها. من ناحية، أنتجت حركة جماهيرية حماسية ضد مؤسسة ويستمنستر الحاكمة، ربما تكون الأكثر شمولاً والأكثر ديمومة في التاريخ الإسكتلندي. حولت هذه الحركة الحزب الوطني الإسكتلندي إلى حزب جماهيري بين عشية وضحاها، مع تدفق مفاجئ بعد الاستفتاء وصل إلى 100000 عضو، ما جعله أحد أكبر القوى السياسية في أوروبا، بما يتناسب مع عدد السكان. من ناحية أخرى، أصبح الحزب الوطني الإسكتلندي عملياً، وفقاً لجيشه المكون من أعضائه السابقين، يمسك بزمام المحسوبية ويخدم جيشاً من جماعات الضغط حول البرلمان».
يوضح الكتاب أن هذا التوتر يهيمن على الانتخابات الإسكتلندية والإدارة السياسية اليومية. ومع ذلك، لا يستطيع سوى قلة أن يجادلوا في أن قسماً من إسكتلندا يشعر بتمكينه منذ الاستفتاءين في 2014 و2016. بالنسبة إلى المراقبين الخارجيين، يبدو البرلمان وكأنه يتمتع بقوة جديدة يتحدث بسلطة دولة قومية ناشئة. يلاحظ الكثيرون أن حكومة إدنبرة القومية هي الآن على عداء مع حكومة ويستمينستر وأقرب ما تكون لتهديد مصالح المحيطين بحزب المحافظين المهيمن في بريطانيا. ومن ثم فإن أولئك الذين كانوا يتوقون إلى «استقرار» بريطانيا قبل خروجها من الاتحاد الأوروبي، كانوا من المرجح يتطلعون إلى القومية الإسكتلندية من أجل القيادة بدلاً من حزب العمال.
يوضح المؤلفون أن نشطاء حزب العمال يتصالحون بشكل متزايد مع حقيقة أن أي حكومة مستقبلية غير محافظة يجب أن تكون «تحالفاً تقدمياً»، ربما تضم الليبراليين والخضر، ولكن بالتأكيد ستضم القوميين الإسكتلنديين. منذ وقت ليس ببعيد، بدا هذا غير وارد، فحسب العديد من الروايات، فقد إد ميليباند انتخابات عام 2015، لأن الناخبين الإنجليز لم يتمكنوا من تصور «تحالف من الفوضى» مع سلف ستورجون، أليكس سالموند، ويضيفون: «لم يعد لدى حزب العمال القوة لطرد قوى المعارضة الأخرى. وهكذا فإن الثقة المكتشفة حديثاً في إسكتلندا تشهد أيضاً على اليأس المتزايد في السياسة البريطانية التقدمية. لقد تم تصميم نظام بشكل نظري لضمان تقويض الحكومات القوية بشكل لا يمكن إصلاحه بسبب عقود من الهجمات على أسس التمثيل الجماعي والتضامن المؤسسي.
يذكر المؤلفون أن «ما تبقى هو ساحة معركة غير متماسكة لما لا يقل عن أربعة مشاريع وطنية، تم جمعها معاً من قبل حزب العمال المتجذر في المدن والجامعات والبلدات التكنولوجية مع روابط متلاشية مع الطبقة العاملة الإقليمية. كانت نتيجة العقد الماضي هي أزمة مزدوجة لبريطانيا، وهي أزمة الدولة واليسار في الوقت نفسه. ربما تكون ثلاث سنوات من خدع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دليلاً كافياً على استنزاف الشرعية من جميع الأطراف من قبل البرلمان الذي لم يستطع أن يرضي أحداً». ويجدون أن «حكومات ويستمنستر المفترضة مجبرة الآن على قبول حدود مذلة لسلطتها. وقد تجلى ذلك جيداً في عام 2021، عندما قام سكان في غلاسكو بمهاجمة وإبعاد دورية تابعة لوزارة الداخلية في محاولة لفرض قوانين الهجرة الصارمة في المملكة المتحدة»، ويضيفون: «إذا كانت الدولة البريطانية تعاني أزمة سلطة مستمرة، فإن اليسار البريطاني في تجسيداته السائدة، يعاني أزمة الهدف، وأن مشكلة السياسة البريطانية ليست مشكلة سوء في التوزيع فحسب، بل هي أزمة شرعية على درجة كبيرة من العمق».
مخاطر الاستقلال
لم يكن المقصود من الاستقلال، كما تخيله الحزب الوطني الإسكتلندي، الظهور في عصر مرتبط بانهيار الرأسمالية. يقول المؤلفون: «في الواقع، رأى العديد من مفكريها الرئيسيين أن هذا مستحيل. بالنسبة لجيل القومية الإسكتلندية في عصر انتقال السلطة، كان التفاؤل الاقتصادي المتزايد شرطاً ضرورياً، وفي لحظات أخرى، شرطاً كافياً للاستقلال. وقيل إن التماسك الدائم للاتحاد كان يدور حول إحساس بأن إسكتلندا «أضعف من اللازم، فقيرة جداً، وساذجة جداً» بحيث لا تستطيع أن تحكم نفسها، لكن مثل هذه السلبية تتلاشى مع ازدهار الشركات الإسكتلندية في الاقتصاد العالمي الصاعد».
يتحدث المؤلفون عن خطط «لجنة النمو المستدام»، وهي لجنة اقتصادية إسكتلندية، أسستها نيكولا ستورجون في عام 2016 لتقديم توصيات إلى الحكومة الإسكتلندية بشأن العملة والسياسة الاقتصادية في إسكتلندا المستقلة. ما تطرحه اللجنة هو مسألة محورية ضمن سؤالين إضافيين حول الأحزاب الحاكمة في إسكتلندا، وكلاهما له تأثيرات مهمة على الديمقراطية:
أولاً، هل رؤيتها للاستقلال هي حقاً تقدم للسيادة الشعبية مقارنة بحكم ويستمنستر؟
ثانياً، هل الأحزاب الحاكمة جادة بشأن الاستقلال أم أنها ستستمر في التحدث عنه لأجل استقطاب جمهور الناخبين والحفاظ على الوضع الراهن؟
ويشير المؤلفون إلى أن لجنة النمو المستدام نفسها تثير أيضاً أسئلة حول اليسار، أو البقايا البرلمانية لليسار الراديكالي. أحد الأسئلة هو ما إذا كانت هذه المجموعة ستستمر في توفير غطاء لتحالف الخضر مع الحزب الوطني الإسكتلندي، على الرغم من وجود نشرة استقلالية عفا عليها الزمن تحمل خطورة على الديمقراطية. ويؤكدون أن مقترحات لجنة النمو المستدام ستكون لها آثار خطيرة على الخدمات العامة وكل ما يرتبط بها، من معالجة الفقر إلى الاستثمار في البنية التحتية الخضراء. لكن القضية المركزية هي: ما مدى سيطرة الجمهور على مؤسسات القوة الاقتصادية؟ في كثير من الأحيان، كان اليسار مختلفاً ومنقسماً حول هذه الأسئلة.
هناك ثلاثة عوامل متقاربة ستجبر حتماً على إعادة التفكير بشكل أساسي في الاستقلال الوطني: فشل الرأسمالية العالمية في القضاء على مستويات المعيشة المرتفعة أو الأمل في المستقبل، والعجز الديمقراطي، والمسألة المستمرة لتغير المناخ. يمكن اعتبار العوامل الثلاثة بمثابة رد فعل من النجاح المبكر للعصر الليبرالي الجديد في تفكيك جماعية الطبقة العاملة وتقليص مساحة النقاش الأيديولوجي إلى مسائل التفضيل الثقافي. إن احتمالية الاستقلال الإسكتلندي، خلافاً للصورة الذاتية للقيادة، تنتمي إلى حقبة تاريخية من التصدعات السياسية والاقتصادية، ما يعكس الفشل المستمر للرأسمالية في رفع مستويات المعيشة، وفشل اليسار في الحصول على الموافقة الشعبية لإحداث تغيير هادف، بحسب المؤلفين الذين يجدون أيضاً أن الاستقلال «لن يحل هذه المشاكل بضربة واحدة، لكنه سيعيد فتح الأسئلة الحاسمة للديمقراطية والسلطة التي يقمعها المسار الطبيعي لنقاشات ويستمنستر».