فإنك بأعيننا

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

في لحظة من ألم قاسٍ، ووجع مهلك، في انكسار صورة كنا نظنها نبيلة، في انهيار الأخلاق والأفكار، وحتى الأمانة الذاتية مع الله، في صدور أحكام خاصة، والتلوي حول الكلمات، وتغيير الحقائق والتستر خلف الوهم، ومغالطة الحقيقة البيّنة، يتحول المشهد الواضح في حقيقته إلى صدمة، تهز الروح والقلب والوجدان، فنصبح في حال غير الحال، وتغادرنا الراحة، وتحل الحرقة في الجسد والفؤاد؛ ضيفةً ثقيلة قاتلة، حتى تصبح الحياة سوداء لا لون ولا طعم ولا انتماء.. في تلك الأوقات القاتمة المهلكة، تأتيك اليد السماوية العليا، الرحمة والحب، فيقول لك الله «واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا»، وهنا ينتهي التعب والمقال والسرد.
«فإنك بأعيننا»، رب السماوات يرى وينظر إليك ويخاطبك، وأنت في تعبك، يتلطف بك، ويخبرك أنك لست وحدك، ونحن نسمع ونرى ما يقولون، وندرك تعبك وحزنك وشدتك، ندرك من آذاك وأشقاك ولم يرحمك، ونعرف أن ما أصابك هو ابتلاء وخير في ظاهره الشر، ندرك من أخطأ ومن أصاب، ومن فعل وادعى وأنكر، ونعرف أن الظلم يهتز له العرش، حديث الله في كل تفاصيله، سينقلك من مكان إلى مكان، ومن مقام إلى مقام، ومن صورة وحال إلى راحة واطمئنان، وهو السميع العليم، سمع يعقوب، عليه السلام، حين قال: «إنما أشكو بثي وحزني إلى الله».
في هذه الحياة مهما تعلمنا وكبرنا، ومهما رأينا من صدمات، فإن الانكسار يكون أشد، عندما يأتي ممن هو قريب منا، عندها يصبح الألم أصعب، لأن من نثق به هو من يخون ويتوارى حتى عن الاعتذار؛ بل قد يتجبر ويتصالح مع أهوائه، فيُغيب الحقيقة بما يرضيه حتى يكسرك، فهل أنت في هذا مرتحل؟ لا، أنت في حفظ الله ومعيته، في معرفته. حقيقة أن هذه الدنيا دين، ستريح بالك، ستخبرك أنك بخير، وأن الحقوق لا تضيع، تحتاج إلى سجدة ودعاء، وأن تمضي في هذه الحياة حتى يأتيك النبأ اليقين من رب السماء.
وتذكر.. ما يصيبنا ربما جزء منه هو من فعلنا، لأننا لم نضع الخطوط الحمراء، ولم نستمع إلى الإشارات والرسائل، وكنا أصحاب ثقة عمياء وقلوب طيبة، ولا أقول لك لا تكن طيباً؛ بل استمر في طيبتك، وعامل الكل بأخلاقك لا بأخلاقهم، كن كما أنت، نبيلاً، معطياً، مسامحاً لمن يستحق، وراحلاً عمّن لا يستحق، تعلم الدرس وقابل المواقف، وكن مع الله أقوى مما كنت، عد إليه واستغفره، ناجي الله بما في صدرك، بما لا يمكن أن تخبر به أي أحد غيره.
 إننا في هذه الحياة نخطئ وخير الخطَّائين التوابون، سيسمعك الله وسيدرك حالك، فالله معك ومعي، في أشد الحالات وأصعبها، في ظلمتها حتى تعود إلى النور، في سوادها حتى تعود بيضاء نقية، في حلكتها حتى تعود عامرة مشعة بالحب، في ضيقها حتى تنفرج من حيث لا تدري، في الصباح والمساء «فإنك بأعيننا».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckrz39n

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"