هل تحيي ميلوني مشروع «إيطالكست»؟

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

فوز اليمين المتطرف في إيطاليا بالانتخابات التشريعية لم يكن أمراً استثنائياً في منطقة الاتحاد الأوروبي، لأنه ومنذ الأزمة المالية لسنة 2008، والتيار اليميني المتطرف يحقق مكاسب مهمة في الساحة السياسية الأوروبية، خاصة في بعض الدول التي ترى أن هذا الفضاء يخدم مصالح الدول القوية في الاتحاد.
 وخطاب ميلوني تجاه خيمة بروكسل، يبدو واضحاً، فالمرأة التي تؤمن بالقومية الإيطالية وترفع شعار «إيطاليا أولاً»، لا تكنّ الود للهيكل الأوروبي، وقد صرحت في حملاتها الانتخابية بأن إيطاليا «مظلومة» من قبل الاقتصادات القوية في الاتحاد. ولكن هل يصل الأمر إلى إعلانها إحياء مشروع ماتيو سالفيني، الذي رغب في النسج على منوال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عندما رفع اليمين المحافظ شعار «إيطالكست»؟
  في إطلالة إعلامية لها عقب اجتماعات مع رابطة المزارعين الإيطاليين إحدى أقوى المنظمات في البلاد، وفي تعقيبها على الإجراء الألماني بإنفاق 200 مليار يورو على دعم المستهلكين لمواجهة التضخم وارتفاع أسعار الطاقة ورفض برلين تحديد سقف أوروبي لأسعار الطاقة، قالت ميلوني إنه إذا اتخذت حكومتها إجراء مماثلاً، فلا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه رد فعل شعبوي وقومي، بل استراتيجية «واضحة» ل«الدفاع عن المصالح الوطنية للتوصل إلى حلول مشتركة».
 وأضافت ميلوني: «يجب أن يعود موقف إيطاليا للبدء بالدفاع عن مصالحها الوطنية لإيجاد حلول مشتركة». وهذا شيء سيتغير في الأشهر المقبلة. وقالت إن هذا لا يعني اتخاذ موقف سلبي تجاه الآخرين، بل يعني أن يكون لنا موقف إيجابي ينطلق من الدفاع عن المصالح الوطنية، لأن الجميع يفعل ذلك. ومع ذلك، فإن إعطاء الأولوية للمواقف الوطنية قد لا يعني ضرورة تقليد «البريكست»، لأن إيطاليا هي من الدول المؤسسة، ولأن التزاماتها المالية وحجم الديون قد يكونان معرقلين لعملية الخروج، فضلاً عن أن الإيطاليين غير مجمعين على هذا النهج.
 فالذين صوّتوا لحزب «إخوة إيطاليا» لا يرغبون في السير على النهج البريطاني، وإنما يطالبون الحكومة الجديدة بتحسين شروط التفاوض، خاصة في ما يتعلق بالتمويل الأوروبي لعمليات صد الهجرة غير الشرعية، كما يطالبون بضرورة أن تعمل حكومة ميلوني على فرض كلمة إيطاليا في القضايا الأوروبية، ومنها ما يخص الموازنات المالية للدول، ومشكلة الديون حيث تعتبر إيطاليا الدولة الأوروبية الأكثر مديونية في داخل الاتحاد الأوروبي.
 موقع «عشرون دقيقة» الفرنسي، أجرى استطلاعاً يوم إجراء الانتخابات الإيطالية، ورصد جملة من المواقف لدى مناصري جورجيا ميلوني، واختارت فيه الأصوات المنادية بضرورة عدم خروج إيطاليا من فضاء الاتحاد الأوروبي. وقد اهتمت الصحافة الفرنسية كثيراً بفوز ميلوني من باب الحذر من تمدد الحضور اليميني في أوروبا، لأن مشهد ميلوني في القصر الحكومي في روما يقضّ مضاجع باريس التي تكافح، منذ سنوات، لمنع وصول مارين لوبان لقصر الإليزيه، حفاظاً على وحدة الاتحاد الأوروبي. غير أن ميلوني نفسها لم تعلن عن مشروع مناهض للاتحاد، ولم تطرح فكرة الخروج إلى حد الآن، بل إنها بدأت تتخذ مواقف قريبة من مواقف بروكسل، حيث ساندت العقوبات المفروضة على روسيا، وانضمت إلى الخطاب الأوروبي في ما يتعلق بأزمة الغاز التي تعانيها القارة. ومع ذلك، فإن الأوروبيين يخشون من سيناريو تحالف يميني قد يثير الكثير من المشاكل بين الدول الأعضاء، فاليمين المتطرف يحكم الآن ثلاث عواصم أوروبية: هي روما، وبودابست (المجر)، و«وارسو» (بولونيا). ولا شيء يمنع تقارب هذه العواصم، خاصة في ملفات مثل الهجرة غير الشرعية، والأمن الأوروبي، والموازنات المالية، والديون، وغيرها من القضايا الاجتماعية التي قد تكون مصدر خلافات واسعة بين دول الاتحاد.
 كما تخشى عواصم القرار الأوروبي المتنفذة داخل الاتحاد من استمرار توسع أزمة الحرب الأوكرانية، وزيادة حدة تأثيراتها الاقتصادية في المواطنين، ما يغذي تنامي الشعور القومي والمصلحة الوطنية على حساب مشاعر الانتماء للاتحاد الأوروبي، وهي موجات آخذة في التصاعد خلال السنوات الأخيرة.
  ذلك هو التحدي الأكبر الآن في دول الاتحاد، كيف يصمد الجميع أمام الضربات الاقتصادية والمالية الموجعة لأزمة أوكرانيا؟ وكيف يمكن التصدي لنزعات الاستقلال عن الاتحاد في ظل تصاعد حضور اليمين المتطرف في المشهد السياسي الأوروبي، المعروف بنزعاته القومية الضيقة؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr2rnd3p

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"