هل من بطل جديد؟

21:55 مساء
قراءة 3 دقائق

جافين ماجواير*

تشوهت صورة أوروبا الجميلة التي اكتسبتها بصعوبة في قضايا المناخ، بعد تسجيل واردات الفحم الحراري أرقاماً كبيرة مقارنة بأي جغرافيا أخرى في العالم، خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022.

وكانت القارة الأوروبية هي المنطقة الوحيدة التي ازدادت فيها واردات الفحم من يناير/ كانون الثاني إلى أغسطس/ آب مقارنة، بالفترة نفسها من عام 2021، حيث استقبلت 35.5% أو 15 مليون طن أكثر من الوقود الكربوني لتوليد الطاقة، وفقاً ل«كبلر»، مزود الحلول في أسواق السلع الأساسية.

وشكلت كمية 57.3 مليون طن من الفحم الحراري التي تتبعها بيانات «كبلر» في أوروبا حتى أغسطس 9.5% من الواردات الحرارية العالمية الإجمالية خلال تلك الفترة، مسجلة أعلى إجمالي وأكبر حصة من تجارة الفحم في أوروبا منذ عام 2018. ومع بدء حرب أوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي، تعطل شحنات الغاز الطبيعي والوقود الروسي التي تمر عبر تلك المنطقة، فكان لا بد للمرافق الأوروبية من إجراء تعديل عاجل لوارداتها من الطاقة. وتعكس زيادة المشتريات تراجعاً استمر لسنوات في واردات الفحم الأوروبية، الأمر الذي يُقوض الجهود التي بذلت على مدار العقد الماضي، لجعل أوروبا مثالاً يحتذى في مجال الطاقة المتجددة، ومدافعاً شرساً عن خفض استخدام الفحم.

فمنذ عام 2010، تم إيقاف عشرات محطات الفحم في جميع أنحاء أوروبا، وأماكن أخرى، وسط رد فعل عنيف مكثف ضد الوقود الأحفوري السام، والاعتماد الواسع بدلاً من ذلك على مصادر الطاقة منخفضة الانبعاثات التي يمكن أن تساعد في مكافحة تغير المناخ. وخلال تلك الفترة، أنفقت القارة العجوز مبالغ طائلة على منشآت الطاقة الخضراء، وزادت حصة الكهرباء المولدة من المصادر المتجددة بنحو 15% إلى ما يقرب من 38%، في المرتبة الثانية بعد أمريكا اللاتينية، بحسب «إنيرداتا».

كما حددت المنطقة بعضاً من أجرأ أهداف استخدام الطاقة المتجددة في العالم، بما في ذلك تأمين 32% من إجمالي استهلاك الطاقة، والذي يشمل النقل والأسر والصناعة، من مصادر متجددة بحلول عام 2030.

اليوم، تم كبح الكثير من هذا الزخم والطموح والأهداف من خلال تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، التي أدت إلى ارتفاع أسعار الغاز والفحم، وتسببت بإضعاف خزائن الحكومات التي دمرتها أساساً تكاليف «كوفيد-19». ومع تهاوي العشرات من المرافق الأوروبية تحت ضغط السيولة، اضطر العديد من مشتري وقود الطاقة إلى اتخاذ تدابير طارئة لخفض التكاليف، بما في ذلك التحول إلى الفحم الأرخص بالطبع. لكن من خلال القيام بذلك، أعاد هؤلاء المشترون عقارب الساعة إلى الوراء في ما يتعلق بالمقاييس الرئيسية المتعلقة بالمناخ، وعرّضوا مكانة أوروبا للخطر بوصفها رائدة في سياسات وتقنيات الحد من الانبعاثات.

ومنذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، وألمانيا تقبع تحت المجهر الدقيق، بحثاً عن مؤشرات على كيفية تعامل أوروبا ككل، بعد استبعاد روسيا كشريك تجاري، لكون ألمانيا أكبر اقتصاد في أوروبا، والمحرك الصناعي الرئيسي والمستهلك الأول للغاز الروسي. وتزامن ارتفاع واردات الفحم الحراري في البلاد مع قفزة أوروبا الإجمالية بنسبة 35% من المادة، وكانت ذروة المشتريات الألمانية من الفحم في شهري إبريل/ نيسان، ومايو/ أيار.

وبسبب الضغط لتجنب منتجات الطاقة الروسية، اضطرت ألمانيا إلى الحصول على الفحم من مصادر بعيدة، بما في ذلك كولومبيا وجنوب إفريقيا، وهو أمر لم يؤد إلى تكاليف إضافية فحسب، بل فرض أيضاً خسائر بيئية عبر خطوط الإمداد الأطول بثماني مرات مقارنة بشمال روسيا، والتي كانت تؤمّن في السابق 75% من الفحم المنقول بحراً لألمانيا.

ومع ذلك، لم تكن هذه الواردات كافية لكبح تكاليف الطاقة في ألمانيا، التي زادت حالياً عشرة أضعاف متوسط أسعار أعوام 2017 إلى 2020، ما أدى إلى تمزيق ميزانيات المنازل والشركات المصنعة، على حد سواء. كما أدى استخدام ألمانيا المتزايد للطاقة التي تعمل بالفحم إلى تدهور جودة الهواء في البلاد، وارتفاع مستويات التلوث في العديد من المناطق الصناعية التي لا تزال تدير محطات طاقة تعمل بالفحم. وقد تزداد هذه الظروف سوءاً مع اقتراب فصل الشتاء، وكلما تقلصت إمدادات الغاز من روسيا، زادت كميات الفحم الحراري المستهلك لتوليد الطاقة.

ومع عدم وجود بارقة أمل لاستئناف التبادلات مع روسيا في أي وقت قريب، ستستمر الصناعات الألمانية، وغيرها من الصناعات الأوروبية، في مواجهة سوق غاز ضيق ومكلف تاريخياً، وسيتطلب منهم إما حرق المزيد من الفحم، أو تقليل معدلات الإنتاج، وفي كثير من الحالات سيُطبق الأمران. وهذا بدوره سيضع صانعي السياسة الأوروبيين في موقف صعب يتمثل في الاضطرار إلى إعطاء الأولوية للاستقرار الاقتصادي على الطموحات البيئية، ما قد يضر بمكانة أوروبا في دوائر المناخ، ويجعل المدافعين عن البيئة يبحثون عن بطل جديد في مكان آخر.

*كاتب متخصص بأسواق السلع والطاقة الآسيوية (رويترز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y4yzx7xc

عن الكاتب

كاتب متخصص بأسواق السلع والطاقة الآسيوية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"