طاقـة أوروبـا المائيــة والنوويــة

22:13 مساء
قراءة 4 دقائق

غافين ماغواير*

على الرغم من أن كميات إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة الشمسية والرياح خلال الربع الأول من العام الجاري في أوروبا قد عوضت أوجه النقص الحاصل في إنتاجها من الطاقة المائية والنووية، فإن المنطقة لا تزال عرضة لنقص حاد في الطاقة للعام الثاني على التوالي.

وفي أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا، التي أدت إلى تراجع تدفقات الغاز الطبيعي للمنطقة ورفع أسعار الطاقة، سارعت الدول الأوروبية إلى تطوير قدرات الطاقة المتجددة لديها. ونتيجة لذلك، زادت أوروبا قدرات إمداد الطاقة المتجددة بحجم قياسي بلغ 57290 ميغاوات في العام الماضي، أو بنحو 9%؛ وذلك وفقاً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، وسط تدافع للاستعاضة عن الغاز الروسي المستورد بطاقة أنظف محلية الصنع.

ومع ذلك، فإن الانخفاضات الحادة في كل من الإنتاج المائي والنووي، وهما مصدران رئيسيان للطاقة غير المنبعثة، تشير إلى محدودية قدرات إنتاج الطاقة التي تسهم برفع توليد الكهرباء بشكل عام في أوروبا، في الوقت الذي بدأت فيه اقتصادات المنطقة في إعادة التشغيل بعد صدمة الطاقة العام الماضي.

وبلغ إجمالي توليد الكهرباء في أوروبا خلال الربع الأول من العام الجاري 1213 تيراوات/ساعة، أي أقل بنحو 6.4% من نفس الفترة من عام 2022، بحسب بيانات مركز الأبحاث «إمبر».

ونظراً لأن مستويات الطلب الإجمالي على الكهرباء في القارة العجوز كانت في طور الإعداد الجديد والنهوض بعد الظروف القاسية التي تسببت بها الجائحة، أضف إلى ذلك ما سببته الحرب الروسية من رفع لتكاليف الطاقة إلى مستويات قياسية، فمن المنطقي توقف قدرات التوليد والاستخدام الكلي للكهرباء نسبياً في أوائل عام 2023.

ومع ذلك، فإن الجهود جارية الآن لإحياء النشاط في عشرات المصانع الأوروبية وخطوط الإنتاج التي تم إغلاقها أو تقليص عملها في عام 2022؛ لذلك من المقرر أن يتجه إجمالي استهلاك الكهرباء عموماً في أوروبا نحو الارتفاع بشكل مطرد خلال الفترة المتبقية من العام.

وفي ظل عدم توفر الغاز الطبيعي الروسي بنفس الكميات السابقة نتيجة العقوبات الغربية على موسكو وقضايا الإمداد، سيحتاج منتجو الطاقة في أوروبا إلى اعتماد مصادر طاقة بديلة، لتغذية تلك الزيادة الحاصلة في الطلب. وبعد القفزة الكبيرة في مستويات استجرار الطاقة المتجددة في عام 2022، يمكن للمرافق العامة استخدام المزيد من الطاقة الخضراء عبر شبكات الكهرباء الأوروبية أكثر من أي وقت مضى، مع ضرورة وجود مصادر طاقة أخرى أيضاً. لكن بالنظر إلى الضغط المناخي المتصاعد لخفض الانبعاثات في كل منطقة، فإنه كلما كانت الطاقة أنظف، كان ذلك أفضل.

لقد أظهرت بيانات «إمبر» أن الطاقة النووية والمائية شكلتا معاً نحو 40% من إجمالي معدلات توليد الكهرباء في أوروبا من عام 2000 إلى عام 2020. لكن هذه النسبة من التوليد انخفضت إلى أقل من 35% العام الماضي؛ حيث تسببت بعض الظروف المتطرفة كالجفاف الذي ضرب المسطحات المائية الرئيسية، جنباً إلى جنب مع عمليات الإغلاق المخطط لها للمفاعلات النووية القديمة، بتوجيه ضربة مزدوجة لأصول توليد الطاقة من هذين المصدرين.

كما يبدو أن انخفاض كميات الثلوج والأمطار المتساقطة خلال فصل الشتاء الماضي، أدى إلى انخفاض إمكانات توليد الطاقة المائية في عام 2023. وبحسب بيانات «رفينيتيف»، فإنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجديد، كان توليد الطاقة المائية في منطقة جبال الألب المملوءة بالثلوج أقل بنسبة 20.6% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022، و38% أقل من متوسط تلك الفترة بين عامي 2015 و2020.

في غضون ذلك، تعاني المناطق المائية الرئيسية الأخرى في أوروبا، بما في ذلك أكبر منتجي الطاقة المائية فيها، فرنسا وإيطاليا، إمكانات توليد أقل من المتوسط بسبب الجفاف الذي ضرب القارة في معظم فترات عام 2022.

كما أن فرنسا، أكبر منتج للطاقة النووية في أوروبا، تعاني كذلك انخفاضاً حاداً في توليد هذه الطاقة؛ حيث أدت مجموعة من مشكلات صيانة المفاعلات والصدامات الدائمة مع نقابات العمال المؤثرة ذات الصلة إلى انخفاض الإنتاج النووي بنسبة 6.2% في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وبنسبة 18% أقل من متوسط التوليد للربع الأول بين عامي 2019 و2021.

وكشفت بيانات «إمبر» أيضاً أن الأداء المتدني لأصول الطاقة المائية والنووية في أوروبا في الربع الأول من عام 2023 أسهم بانخفاض 43 تيراوات/ساعة من القدرة الإنتاجية لتوليد الكهرباء، مقارنة بنفس المصادر ولنفس الفترة من عام 2022.

وإذا استمرت الظروف المناخية الجافة وظل الإنتاج النووي مقيداً، فإن منتجي الكهرباء في أوروبا سيعانون لزيادة توليدها بشكل عام دون اللجوء إلى استخدام الوقود الأحفوري بكثافة أكبر تفاقم معاناة البيئة.

لكن نظراً لعدم القدرة على التنبؤ بما ستبوح به محادثات الطقس والعمالة في أوروبا، فمن الممكن أن تخفف الأمطار الغزيرة، إن وهبتنا إياها الطبيعة، من حدة النقص في الطاقة المائية. تماماً مثلما ستخفف السلطات والنقابات الفرنسية من شح الطاقة النووية المُولدة في حال توصلت إلى اتفاق دبلوماسي لزيادة إنتاجها.

وفي حالة حدوث ذلك، قد يصبح قطاعا الطاقة المائية والنووية، السادة في أسواق الكهرباء في القارة، وسيلعبان حينئذ دوراً لا غنى عنه في إعادة اقتصاد أوروبا إلى مسار النمو خلال هذا العام والأعوام المقبلة.

 * كاتب متخصص بأسواق السلع وانتقال الطاقة العالمية (رويترز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yeys9rhm

عن الكاتب

كاتب متخصص بأسواق السلع والطاقة الآسيوية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"