من غلاسكو الى شرم

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

عندما ترى هذه السطور النور، ستكون قمة المناخ العالمية في شرم الشيخ قد انطلقت أو كادت، وسيترقب الناس في كل مكان ما سوف يخرج عنها من سياسات عملية، وليس ما سوف يقال على منصتها من أحاديث، أو تصريحات، أو كلام.

سوف يترقب الناس هذا، وفي أذهانهم قمة السنة الماضية التي انعقدت في مدينة غلاسكو البريطانية، ولم يخرج عنها ما يستجيب لطموح العالم على اختلاف مواقع أهل الأرض فيه.

وربما نلاحظ هنا أني أتكلم عن «الناس» وعما ينتظرونه من قمة شرم، بعد أن فاتهم أن ينالوا من قمة غلاسكو ما كانوا يأملون فيها.. وقد وضعت من جانبي كلمة الناس بين أقواس، لعلنا ننتبه إلى أنهم في عمومهم لم يكونوا طرفاً في قضية المناخ من قبل، وكانت هذه القضية قضية ترفية في نظر آحاد الناس في كل مكان.

ولكن ما جرى على مدى الفترة القصيرة الماضية من تقلبات الطقس والمناخ، جعل هذه التقلبات التي تابعناها على كل مستوى، جزءاً من حياة كل شخص تقريباً، وجعلها قضية حاضرة في حياة الجميع، ولم تعد بالتالي ترفاً على هامش الحياه العامة.

وهل هناك أقوى من أن تهاجم الفيضانات باكستان، فتغطي ثلث مساحتها بالكامل، ويجد أنطونيو جوتيريس، أمين عام الأمم المتحدة، أن عليه أن ينبه شتى الدول في المجتمع الدولي إلى خطورة ما تعرض له الباكستانيون، وإلى أن ما حدث يصل في تقديره إلى حدود المجزرة المناخية الكاملة؟

شيء كهذا لا بد أن يستوقف الكافة في أنحاء الأرض، لا لشيء، إلا لأن باكستان لم يسبق أن تعرضت لمثل هذه الفيضانات من قبل، وإلا لأنه إذا كانت قضية التقلبات قضية عالمية، فأي دولة بالتالي يمكن أن تجد نفسها معرضة في المستقبل لما تعرضت له باكستان هذه السنة.

فإذا عرفنا أن باكستان رابع دولة في العالم في إنتاج الأرز، كان المعنى أن تداعيات الفيضانات فيها يمكن أن تتحول من قضية مناخية إلى أزمة غذاء عالمية.

وما جرى في باكستان جرى في الكثير غيرها من الدول، وبدرجات مختلفة، وأدى إلى أن تتحول مسألة المناخ والطقس من مسألة كانت نخبوية، وكانت النخبة بالكاد تهتم بها، إلى مسألة تشغل بال العامة يوماً من بعد يوم، ويزداد الانشغال بها كلما بدت تداعياتها تنتقل من بلد إلى بلد.

ولأن ملامح القضية هي على هذا النحو، فإن مؤتمر شرم بقي محطاً للأنظار من قبل انعقاده، ليس على مستوى خبراء البيئة وحدهم، ولا على مستوى المتخصصين دون سواهم، ولكن من غالبية البشر في أركان الأرض الأربعة، ممن يتابعون تحولات الطقس التي لم تكن أبداً بهذه الحدة في أي وقت.

وليس مطلوباً من قادة العالم الذين سيتحلقون حول مائدة قمة شرم، إلا أن يكونوا عند مستوى طموحات الشعوب في بيئة أقل تلوثاً، وأقل إضراراً بالصحة العامة.

والغالب أن كثيرين تشاءموا عندما قرأوا أن ليز تراس، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، نصحت الملك تشارلز الثالث بعدم حضور قمة شرم.

ولكنها لم تلبث حتى غادرت موقعها، فلما حل ريشي سوناك مكانها، بدا متردداً في البداية تجاه حضوره من عدمه، ولكنه حسم أمره في النهاية وقرر الحضور.. ولم يكن من الممكن إلا أن يحضر، بينما بلاده هي رئيسة قمة جلاسجو السابقة.

وسواء كانت القمة في غلاسكو أو في شرم، أو في أي مدينة سواهما لاحقاً، فإن الوعي بقضية المناخ في مجملها يكتسب أرضاً جديدة مع كل ساعة تمر، ويمثل ضغطاً بالضرورة على أهل القرار في العالم، ليكونوا أنصاراً للبيئة من مواقعهم لا خصوماً لها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"