حواريّة اللغة بعين اقتصاديّة

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

قال القلم: هل يكون العقل قد جاوز حدّه، إذا هو فكّر في اضطلاع القطاع الخاص بتطوير اللغة العربية؟ قلت: ويحك، سيكون أقلّ ردود الفعل عنفاً، قول أبي الطيب:«ويلمّها خطةً، ويلمّ قابلها»، كيف يجرؤ مخيخك على تصوّر كنوز النحو والصرف والبلاغة وسحر البيان وعيون المعاني، وسائر فنون الكلام، التي لا يملك جلّ العرب غيرها في ميادين المنافسة، معروضة في أسواق المال؟

قال: مهلاً، ما خطر ذلك على بالي، ولا كانت هذه الأفكار زهرة في خيالي. نهرته مزمجراً مُزبداً، (بحكم اللقب العائلي): كفى بك داءً أن ترى لغتنا الجميلة الحسناء، وهي رمز الهوية والشخصية، سهام لحظها تباع وتشترى كالأسهم في البورصات. ألا يندى للعرب جبين، إذا قرّر القطاع الخاص إخضاع شؤون العربية لدراسة الجدوى؟ ماذا لو قالوا إن منهاج النحو غير مُجدٍ في ملتهم واعتقادهم؟ هل بلغ بك الأمر حدّ توهّم أن علماء اللغة، كانوا طوال القرون العشرة الماضية،غير شاهرين الخمسمئة من مرادفات السيف، حتى لا يظننّ أحد أنه أصدق إنباءً من كتب مناهج العربية؟.

قال: رويدك، فقد أسرفتَ وتطرّفت، فما الذنب الذي اقترفت؟ قبل إصدارك أيّ حكم جزافاً، أنا لم آت بجديد، كل ما هنالك هو أنني تأملت آراء الاقتصادي البريطاني، آدم سميث،في اللغة، فأدركت أنه أصاب قلب «دارتس» الحقيقة، حتى لا نصيب كبدها بسوء لا قدّر الله. لقد كان نظره ثاقب الاستشراف حين رأى أن تكون اللغة بمثابة البضاعة الجيدة:«عملية في سهولة الاستعمال، مفيدة، خالية من التعقيد». ألا ترى أن أعلام ميراثنا سبقوه بذلك، من الجاحظ إلى ابن مضاء وابن رشد، واستمرت الدعوات إلى تبسيط القواعد والتطوير إلى عصرنا؟ أحدهم شوقي ضيف، وقد ذهب كل كلامهم في مهب الريح. إنك أسأت بي الظن، فالذي دار في ذهني، ليس سوى ظاهر مجازي لا غير، أمّا قصدي فهو أن نُخضع مناهج تدريس العربية، للعلوم الإدارية والجدوى، تماماً مثلما يفعل أهل المال والأعمال. فالتعليم ليس خلواً من معايير الربح والخسارة، والتوفير والإهدار والعرض والطلب. تأمل المشهد الاقتصادي: أليس تدريس العربية ست عشرة سنة من الابتدائية إلى الجامعة، من دون نتيجة إيجابية مثمرة، خسارة وهدراً للمال في رواتب المدرسين، وخسراناً لوقت الطلاب وظلماً لهم؟

لزوم ما يلزم: النتيجة الزمنية: قلت للقلم، اطمئن، فلن يحتاج اللغويون العرب إلى ألف سنة أخرى، لفهم الموضوع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/jx6v68cp

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"