أين جامعاتنا العربية؟

00:41 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج

يحيى زكي

عندما نقرأ التقارير والمؤشرات التي ترصد جوانب الحياة في مجتمعاتنا العربية، سنجدها صادرة عن مراكز أبحاث وجامعات عالمية، وهنا لا بد من سؤال أين جامعاتنا ومراكزنا العلمية؟

عندما قامت ضجة منذ سنوات بسبب معدلات الترجمة المتراجعة في الحالة العربية، كان التقرير صادراً عن جهة دولية، و الأمر نفسه تكرر في الكثير من الموضوعات الأخرى، لنأخذ مثلاً موضوع الساعة.. التغيرات المناخية، فعلى الرغم من أن منطقتنا ستتأثر بقوة بسبب تلك التغيرات، فإن كل معلوماتنا ورؤانا مستمدة من الآخرين؛ بل إن ترتيب جامعاتنا نفسه نأخذه من تلك الجهات الدولية، وكأن جامعاتنا ليست معنية بأن تبحث بنفسها عن موقعها في جامعات العالم.

منذ عدة عقود كان بإمكاننا أن نقرأ دراسة أو تحليلاً صادراً عن هذه الجامعة العربية أو تلك، وكانت هناك مراكز أبحاث إن لم تكن تقدم إسهاماً علمياً عالمياً، إلا أنها كانت منكبة على مشاكل مجتمعاتها المحلية، وبين فترة وأخرى تنظم مؤتمراً أو ندوة عن أحدث ما توصلت إليه، إلا أن هذه الظاهرة اختفت في السنوات الأخيرة، وانسحبت الجامعة وملحقاتها من مراكز ومعاهد من الحياة العامة. كان هذا الانسحاب ضمن تراجع واسع للنخب المثقفة نتيجة لأسباب عدة، لكن إذا كانت هذه النخب تعتمد على فاعلية الأفراد ودرجة انخراطهم في الشأن العام وتأثر نشاطهم سلباً وإيجاباً بتقلبات العصر وأدواته، فإن الوضع يختلف بالنسبة للجامعات، فظروف الأفراد لا تنطبق عليها، وهي بحكم كونها مؤسسات موجودة بحكم الواقع لا يمكنها أن تنسحب من الهم العام.

كانت الجامعة ركيزة أساسية في مشروع التنوير العربي، وحتى عقود قليلة مضت لم يكن التعليم وحده على رأس أولوياتها، لكن مشاكل المجتمع على المستويات كافة احتلت مكانة متميزة في تلك الأولويات، وكنا نقرأ عن إسهامات للجامعة ورموزها في الفكر والأدب والعلوم، خاصة تلك الفروع التي تتماس مع خصوصية البيئة العربية، كنا نقرأ كذلك عن مشروعات مهمة وعميقة يتم تداولها داخل أروقة جامعاتنا، كان من يتحدث عن زراعة الصحراء وعن الاستخدام الأمثل للطاقة الشمسية..الخ، يستند إلى أبحاث أجريت داخل مختبرات جامعاتنا، كان من يتكلم في اللغة ومشكلاتها وفي النقد الأدبي والثقافي هو ابن تلك الجامعات، والتي خرجت منها أيضاً العديد الأطروحات التي أثارت النقاش وحركت الراكد في الحياة العربية.

لا يمكن أن تنسحب الجامعات من الشأن العام، أو تصمت أو توضع دراساتها مهملة على الأرفف من دون أن نعرف عنها شيئاً، خصوصاً في تلك الفترة التي تشهد تحولات بنيوية وغير مسبوقة تعيشها مجتمعاتنا، وهناك العديد من القضايا التي تنتظر تلك الجامعات، منها مثلاً تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على مختلف شرائح مجتمعاتنا، والتغيرات العميقة التي نشهدها نتيجة للعولمة وتؤثر في رؤى وسلوك البشر، ونسب الأمية الكتابية والتكنولوجية، وهل لا تزال تركيبة مجتمعاتنا العربية تحافظ على تقليديتها..الخ. إن انسحاب الجامعات أو خفوت صوتها يؤثر بالسلب في أي مجتمع يريد أن ينخرط في حراك العالم.

عن الكاتب: