ترويض التحيزات السلبية الاقتصادية والمجتمعية

21:27 مساء
قراءة 3 دقائق

د. راسل قاسم *

هناك الكثير ليقال عن التحيزات التي نقع بها نحن البشر، لكن ما يدعو للتفكّر هو ميلنا نحو رؤية الأمور أسوأ مما هي عليه، وكذلك انجذابنا نحو تصديق ما هو غير صحيح.

دراسة ضخمة تم إجراؤها في أكثر من 40 دولة شملت حوالي 100 ألف مقابلة، وقد تم نشر نتائجها، إضافة إلى نتائج مشابهة في عشرات الأوراق العلمية، تشير إلى وجود فجوة كبيرة بين ما يعتقده غالبية الناس، وبين الحقيقية. هذه الفجوة موجودة في العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية.

من أمثلة النتائج التي يمكن سوقها من تلك الدراسة، اعتقاد العامة في الولايات المتحدة الأمريكية بأن حوالي 33% من الشعب مهاجرون، لكن الحقيقة هي 15% أي أنهم أقل من نصف تلك النسبة. وكذلك الاعتقاد بأن 36% من الشعب معمرون بسن 65 أو أكثر، بينما الحقيقة أنهم 14% فقط وقت إجراء الدراسة.

كذلك يعتقد الناس في 30 دولة أن معدل جرائم القتل فيها لم ينخفض، لكن الحقيقة والإحصاءات تقول إن معدل تلك الجرائم قد انخفض بنسبة 29% منذ عام 2000، وهذا فارق شاسع.

يمكن أن نضيف إلى تلك الأمثلة أنه وعند السؤال ما إذا كان العالم يتجه نحو الأفضل أم الأسوأ، فقط 1 من 10 أشخاص أجاب نحو الأفضل، وثلثي المجيبين قالوا نحو الأسوأ.

تم تدعيم تلك الدراسات بمجموعة من الكتب أيضاً، ومنها كتاب «لماذا نحن مخطئون بشأن كل شيء تقريباً» من تأليف بوبي دافي أستاذ السياسات العامة في جامعة كينغز كوليدج.

ربما يعود هذا التشاؤم إلى طبيعتنا البشرية وما ترسخ في وعينا منذ آلاف السنين، فمن المعروف أننا نحن البشر كائنات قصصية تحب الحكايا والروايات، وقد كان هذا الشائع شفوياً قبل انتشار القراءة والكتابة، وأكثر ما يعلق بأذهاننا منها تلك التي تحمل مشاعر قوية كالخوف والرهبة وما يرتبط بها من تجارب سلبية، الأمر الذي يدفعنا إلى تقبّل التحليلات السلبية أكثر من الإيجابية.

أضف إلى ذلك أنك أنت وأنا، نتاج أجيال من البشر الذين نجحوا في الحفاظ على حياتهم بسبب رد فعلهم المناسب للأخبار والمعلومات السلبية، كالتحذير من حيوان مفترس، أو هجوم وشيك أو غيرها. ومن الواضح أن الذين لم يتحركوا بناء على تلك المعلومات السلبية لم يستطيعوا البقاء، لذلك فإن سلالتهم غير موجودة في يومنا هذا. يبدو أن برمجتنا الجينية قد احتفظت بضرورة الإصغاء إلى المعلومات السلبية وأخذها على محمل الجد.

اللافت أيضاً أن تلك النزعة نحو السلبية ليست وليدة التغيرات المتسارعة والقفزات التي شهدتها البشرية خلال العقود الأخيرة، فهناك دراسات أجريت في عام 1940م أظهرت نتائج مقاربة بشكل كبير للدراسات الحديثة التي تم نشرها مؤخراً.

أي أننا عندما ننظر إلى هذا الوضع، لا يمكننا إرجاعه إلى سبب واحد وإنما أكثر من سبب. فطبيعتنا وتحيزاتنا البشرية هي عامل، يضاف إليه الزيادة الكبيرة في كم المعلومات حولنا، والازدياد الكبير في منابر المعلومات والأخبار غير الموثوقة كبعض حسابات وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، الأمر الذي ساعد على تقوية تيار المعلومات السلبية أو المبالغ فيها.

لا نكتفي بعرض تلك المعلومات - وإن كانت على قدر كبير من الأهمية - وإنما نتبعها بسؤال: كيف لنا أن نتعامل مع هذا التحيز نحو المعلومات السلبية، وتجنّب تأثيراته الاقتصادية والمجتمعية؟

تكمن أحد الحلول في أن ننطلق في تفكيرنا وقراراتنا من نقطة أن الأمور ستكون أفضل في المستقبل، عوضاً من أن نبدأ من وضع محايد. من شأن ذلك أن يعادل – إلى حد ما - من تلك النظرة المتشائمة.

كذلك يمكن أن نأخذ ذلك إلى المستويين المؤسسي والوطني، كالتفكير في وحدات متخصصة في السلوكيات والاقتصاديات الإيجابية. وذلك أسوة بالسعادة، ويمكن هنا الاستلهام من تجربة دولة الإمارات بإطلاق وزارة للسعادة عام 2016، وبرنامجاً وطنياً للسعادة وجودة الحياة.

* خبير إداري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/fx24temr

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"