د. راسل قاسم*
العمل مقابل أجر، هو الأسلوب التقليدي لقيام المؤسسات بتوظيف الأفراد، حيث يقومون بإنجاز المهام المطلوبة منهم بشكل مرضٍ، ويستحقون مقابل ذلك راتباً شهرياً. طبعاً التوى هذا الأسلوب قليلاً، هنا وهناك، على مر السنوات الماضية، فنرى من يمنح راتباً منخفضاً ونسبة من المبيعات التي يحققها الموظفون في بعض الأعمال، وهناك من يمنحهم مكافآت إضافية على أدائهم المتميز، وجهات أخرى تلجأ إلى منح موظفيها أسهماً في ملكية الشركة لتحفيزهم وتوليد الشعور بالمسؤولية والولاء اتجاه العمل.
ومهما تعددت الأساليب، فهي تدور في فلك فكرة رئيسية واحدة، وهي أن العائد يكون مقابل العمل، ويتضمن ذلك الالتزام بالمهام المتوقعة من الموظف. وإذا ما أراد أحدنا التوجه صعوداً على سلم المسؤولية، عليه أن يبذل جهداً إضافياً يبرر له هذا الترقي – في الحالات النموذجية.
إن المفهوم التقليدي للأداء والعمل بمقابل، لم يعد كما في السابق، حيث إن معادلة النجاح المهني قد اختلفت، وتتم حالياً إعادة تشكيل طرفيها بقيم جديدة. أي أن أداء العمل الذي اعتدت عليه لم يعد كافياً لكي تتطور وتتقدم في مهنتك، ليس ذلك فقط، بل إنه لم يعد كافياً حتى لتحافظ على المكان الذي وصلت إليه مهنياً. ولكن كيف ذلك؟ إن هذا الوضع الجديد يعود إلى عوامل عدة مجتمعة، فالمهن الواعدة هي مكان تنافس كبير من قبل الأفراد، خلاف المهن الأخرى، ومع ازدياد الأعداد ومؤهلات الممارسين، يصبح قيامك بعملك كما اعتدت عليه أمراً غير كاف، لأنه سيجعلك تنتقل تدريجاً إلى الخلف، تاركاً المكان للشغوفين والمثابرين على تحدي أنفسهم وتطوير ذواتهم. كذلك علينا هنا أن نلقي بالتكنولوجيا تحت بقعة الضوء، حيث إن المنافع الهائلة للتقدم التكنولوجي هي حقيقة راسخة، وهي خارج مجال النقاش.
ويجب ألا يغيب عن أذهاننا، اختلاف احتياجات أسواق العمل، وذلك مرتبط بتقلبات حالات الاقتصاد، وكذلك ما نشهده من ثورات صناعية ومعرفية هائلة. يفتح هذا باب التغيير على مصراعيه في سوق العمل وفي القطاع المهني، وعلى المهنيين هنا أن يكونوا قادرين على استشراف ما الذي سيزول، وما الذي سيبقى.
باختصار، عليك أن تتعامل مع تأثير الملكة الحمراء، هذا التأثير الذي طرحه عالم الرياضيات الإنجليزي تشارلز لوتويدج، منذ نحو قرن ونصف القرن من الزمن، وهو لم يطرحه بطريقة عادية، ولكنه طرحه في قصتين كتبهما باسم مستعار هو «لويس كارول»، وهاتان القصتان حققتها شهرة عالمية كبيرة، وهما «مغامرات أليس في بلاد العجائب»، وجزئها الثاني «من خلال الزجاج». علّمت «الملكة الحمراء» في القصة، البطلة «أليس» درساً غريباً في الحياة. فعندما كانت تجري بجانب الملكة، تجد أليس أن العالم حولها لا يتغير رغم سرعتهما. تقول أليس: «في بلادنا، الركض يأخذنا لأماكن جديدة». لكن الملكة ترد: «هنا، يجب أن تجري بأقصى سرعة لتبقين في المكان نفسه فقط، وإذا أردت التقدم، فعليك الجري بسرعة أكبر».
ألهمت إضاءة الملكة الحمراء العديد من المفكرين في مجالات مختلفة، فمثلاً اعتمد عليها عالم التطوّر، ليه فان فالين، في وضع نظريته عن التطوّر وانقراض الأنواع، وكذلك سيدهارتا موخرجي، في تناوله آليات التعامل مع الآفات المجتمعية والصحية، مثل المخدرات ومرض السرطان في كتابه الحائز على جائزة بوليتزر «إمبراطور كل الأمراض»، وأيضاً استعان به وارن بوفيت، في تعليل عدم جدوى الاستثمارات في صناعات معنية خلال دورات اقتصادية محددة. وعندما تقوم بتقييم ذاتك المهنية، أو عندما تخطط لمستقبلك المهني، يجب أن تراعي دائماً أنك تحت تأثير الملكة الحمراء.
* خبير إداري