عزاء مودرن

00:49 صباحا
قراءة دقيقتين

صحيح أن نمط الحياة تطوّر وتغيّر، وأن مجتمع اليوم لم يعد مجتمع الأمس، لكن يبدو أنه ليس كل تطور محموداً وإيجابياً، وإنما هناك تشويه لممارسات وعادات غيّر من ماهيتها وتدخل في صميمها للأسوأ، وهو ما يتطلب تدخلاً عاجلاً للحفاظ على الهوية الخاصة بمجتمعنا وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، خاصة أن تلك التغيرات تحدث بسرعة كبيرة، وتجد من يعمل بها ولا يعترض عليها في ظل اختفاء طبقة (الشواب) التي كانت دوماً تذكر بالسنع والعادات والتقاليد، وتحارب كل دخيل منها.
اليوم تغيرت عادات العزاء ومجالسه وآدابه عن مسارها في كثير من الأماكن، وطرأت عليها تغيرات غير مناسبة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال وصمها بالتطور أو الحداثة؛ لأن ثمة أموراً لا تحتاج إلى تطوير، وربما تتطلب حياتنا الحديثة تغييرات في الشكل لا تشذ عن القاعدة الأساسية والهدف الأسمى والظرف الخاص بالمناسبة، وهي تقديم واجب التعازي ومواساة أهل الميت التي تبدأ في المقبرة عند مراسم الدفن وتتبعها أيام العزاء، وهي معروفة للجميع كسنّة نشأنا عليها ومارسناها، وكانت لها خصوصية تعبر عن الترابط والتآزر.
فجأة خرجت قدسية الموت من حسابات البعض، ولم يعد ظرف الموت الأليم مناسبة للتفكر والاعتبار، وتحوّلت إلى فرصة للسوالف حتى والميت لم يأخذ طريقه إلى اللحد، هناك من ينخرط في جلسات (سوالف)، وهناك من لم يستطع أن يصبر عن مطالعة شاشة هاتفه واستعراض برامج التواصل، بينما كنا سابقاً نعيش صمتاً مطبقاً وألسنتنا تلهج بالدعاء للميت ولا نستطيع أن نفتح جهاز التلفزيون في منازلنا خوفاً من توبيخ أهلنا، لكننا اليوم نفتقد التأثر حتى لو كان الميت شاباً في عمر الزهور اختطفه الموت فجأة في حادث سير.
أما في مجالس العزاء فحدث ولا حرج؛ حيث تغيرت كثير من الآداب، بل اختفت ودخل هوس التصوير إليها ليس من الحضور فقط بل بالاستعانة بمصورين ومشاهير يوثقون حضور المعزين من الشخصيات فور نزولها من السيارة وحتى دخول المجلس وتقديم العزاء، وهي أمور لم تكن موجودة وليست من صميم المناسبة، ولو أنها حدثت في الأعراس لوجدنا لها مبرراً، لكن أن تقع في عزاء فهي من التغيرات المرفوضة، ناهيك عن الولائم التي تقترن بمثل هذه المناسبات وتسودها مظاهر البذخ، بعد أن كانت مجالسنا سابقاً تقتصر على فنجان قهوة!
هويتنا غالية وثمينة، وهي محل اهتمام وعناية من الجميع، حكومة ومؤسسات، ودورنا أن نحرص عليها أيضاً ليس بالتمنيات أو النظريات، وإنما بالممارسة الصحيحة لكثير من أوجه الحياة التي يجب ألّا يطالها تغيير يفسدها تحت عذر التحديث ومسايرة تطورات الحياة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s3ztyc9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"