عادي
كوّن إمبراطورية ذات حضور إقليمي وعالمي

«تشودي».. القوميات في ميزان واحد

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
9

صدر عن منشورات ضفاف والاختلاف كتاب «إمبراطور الشرق تشودي» للدكتور «علي بن غانم الهاجري»، الذي يؤكد أن تشودي من العظماء الذين وقفوا في طليعة شعوبهم، وسعوا للنهوض بأممهم، فقد استطاع هذا الإمبراطور، وبفضل ما أوتي من مؤهلات قيادية وصفات شخصية، أن يبني أكبر إمبراطورية في المشرق، بل في العالم في عصره، في القرنين الرابع عشر والخامس عشر.

كانت إمبراطوريته مترامية الأطراف، كما أنه صاحب أعظم وأكبر جيش عرفته البشرية منذ أوائل العصور الميلادية، حتى مطلع القرن التاسع عشر، فالأرض توشك أن تضيق دون جنوده، فضلاً عن امتلاكه أكبر وأقوى أسطول في التاريخ حتى بداية العصر الحديث.

كما يمثل عصر الإمبراطور تشودي عهد الإنجازات الحضارية، ففي هذا العهد تم إنجاز أكبر عمل فكري وعلمي، ويتمثل في موسوعة يونغل التي تعتبر أكبر موسوعة علمية في العالم، وفي هذا العهد تم إنجاز أكبر قناة صناعية في العالم، وبناء مدينة لا تضاهيها مدينة تراثية، من حيث الجمال والهندسة والتصميم والاتساع.

من هذا المنطلق كما يرى الكتاب، فإن المتتبع لعهد الإمبراطور تشودي يدرك الدور الكبير الذي قام به هذا الإمبراطور منذ توليه العرش في عام 1402 حتى وفاته عام 1424، سواء كان هذا الدور في الجانب السياسي أو الإداري أو الاقتصادي أو العمراني، فقد استطاع أن يبسط نفوذه وسيادته على بحر الصين، وكوَّن إمبراطورية كان لها من الثقل السياسي على المستوى الإقليمي والحضور العالمي ما ليس له نظير في بقية مدد حكم الدول والإمبراطوريات السابقة عليه، واللاحقة له.

استقرار

يشير الكتاب إلى أن هذا الاستقرار السياسي عكس نفسه على الجوانب الحضارية، التي هي الأخرى لقيت كل الاهتمام والعناية من هذا الإمبراطور؛ حيث أولى اهتماماً خاصاً بالتنظيم الإداري والمالي، فقد عمل على تجديد بعض نظمه وسن قوانين جديدة، وأوجد وظائف وإدارات متعددة، وفضلاً عن ذلك فقد شهد الجانب الاقتصادي نمواً وازدهاراً كبيراً نتيجة الاستقرار السياسي، أما الجانب العمراني فالمآثر المعمارية المنتشرة على طول البلاد وعرضها، تظل شاهدة على عظمة هذا الإمبراطور.

كانت العقلية العبقرية لهذا الإمبراطور هي التي أرست القوة الوطنية القوية للعصر المزدهر، وشكلت الأساس لتحقيق الاعتقاد بالتوحيد العظيم، كما شهد عهده تناغماً وتجانساً اجتماعياً فريداً من نوعه، فهو ذلك العهد الذي ألغى التمايز الطبقي، ووضع القوميات في ميزان واحد، وهو ميزان العدالة الاجتماعية.

كرس الإمبراطور تشودي جانباً من جهده لتأمين بلده وشعبه، فاستطاع تأمين الحدود الشمالية، وفرض الهيمنة العسكرية على مناطقها، كما تبنى عدداً من الأنشطة العسكرية واسعة النطاق، التي يمكن فهمها على أنها استراتيجيته العسكرية لتكريس الأمن.

كانت هذه التطورات المدنية والعسكرية تسير بالتوازي مع نية الإمبراطور تشودي في الانفتاح على الخارج، والعمل على إرساء قواعد مشتركة لسياسة موحدة مع البلدان الأخرى؛ لذا كان عهده يمثل تلك الفترة التي حدث فيها العديد من تفاعلات أسرة مينغ الأكثر إثارة مع جنوب شرق آسيا ووسطها وشمالها الغربي.

شهد عصر تشودي إقامة علاقات دبلوماسية مع العديد من دول آسيا، وكذلك الدول الإفريقية، فضلاً عن تطبيع العلاقات التجارية مع اليابان والدول المجاورة البحرية الأخرى، وقام برحلات استكشافية كبيرة إلى جنوب وغرب المحيطات، فكان لهذه الرحلات الأثر الكبير على العلاقات الإنسانية وتواصلها الحضاري.

وأدى هذا إلى تطوير حضارة الصين المادية والروحية مع تاريخ طويل من آلاف السنين، وكذلك إلى ارتفاع جديد للحضارة الصينية، مما شكل مركز ثقل الحضارة العالمية في ذلك الوقت، ولما كان عهد هذا الإمبراطور على هذا النحو المؤثر في الجوانب الحضارية في التاريخ الصيني خاصة، والتاريخ العالمي عامة، يرى هذا الكتاب ضرورة القيام بدراسة أكاديمية لهذا العهد، بهدف إبراز الإنجازات التي تحققت فيه، كما أن شخصية هذا الإمبراطور تجمع في طياتها جوانب بلغت من التنوع والغنى مبلغاً يجعل الباحث يتطرق إلى دراستها من زاوية الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4jpdm2wa

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"