النقد ضرورة ثقافية

ما رأيك في وسط ثقافي ليس فيه نقد أدبي ولا نقد فني؟ إلى يومنا هذا لم يفكر المثقفون في الإمارات في إرساء قواعد حركة نقدية. هذا وضع يحتاج إلى إعادة نظر، لأنه يجرّ سلبيات كثيرة، من بينها اختلاط النصوص المتميّزة بالمتوسطة وما دون ذلك. ليس كل قارئ ناقداً. الدولة والمؤسسات الثقافية تبذل جهوداً فائقة في تشجيع الإبداع والنشر بلا حدود، ذلك شيء رائع، لكن النقد قيمة مضافة ترفع قيمة الموقف الرسمي. من الضروري العودة إلى الأصل اللغوي للنقد، وهو تمييز الدراهم لمعرفة الزائف منها.
منذ قيام دولة الاتحاد إلى اليوم صارت للإمارات مكتبة في مجالات شتى حافلة بعشرات الأسماء، لكن أين النقد في كل تلك الميادين حتى يتسنى التعريف والتصنيف؟ ما تكتبه الصحافة الثقافية وما يبث في الإذاعات والتلفزيونات لا يرينا غير كامل الأوصاف، وهذا ليس جيّداً في حق المبدعين الحقيقيين، لأنه يوهم المتلقين بأن جميع الأقلام قمم. يقول الكاتب الفرنسي بومارشيه: «من دون حرية النقد، لا يوجد ثناء يبعث على الفخر».
يجب نقل المشهد إلى ميادين أخرى لتتضح المفارقات. تخيّل ما يمكن أن يحدث في الاقتصاد والأسواق، لو تساوت المعادن، وصار الذهب مثل الفضة مثل النحاس مثل الحديد. ماذا لو أضحى حرير دودة القز مساوياً للقطن والصوف وشعر الماعز؟ كيلوجرام الكافيار بيلوجا مثل كيلو البطارخ، وسمك السلمون النرويجي مثل السردين المجفف. قد تلوح لك الأمثلة شديدة المبالغة نابية، لكن عالم الأدب والفنون تحدث فيه أشياء أدهى. مثلاً: لا يوجد بلد عربي أثرى الموسيقى بالروائع طوال عقود مثل مصر، ولكن ذلك لم يمنع الانحدار إلى مستويات مريبة في هبوطها لانهيار صرح النقد. تأمل الحياة الثقافية في مصر في العقدين الرابع والخامس الماضيين، من كانوا حراسها وحماتها وأساطينها ونجومها.
من الضروري أن يقوم النقد في الأجناس الأدبية والفنية على هيئة سلسلة مراتب. على المؤسسات الثقافية أن تعطي الأقلام الفتية الواعدة فرصة لعرض تجاربها الأولى ونقدها التوجيهي من قبل القادرين على حمل أمانة النقد البناء. أمّا الصحافة الثقافية فعليها أن تلعب دوراً محورياً في نقد النصوص الأدبية حتى تجد الأقلام سنداً ومدداً في مسيرتها، وعلى الشعراء والكتّاب أن يدركوا أن النقد مرقاة لهم للساحة الثقافية. في البداية يكون النقد عسير الهضم، لأن الناس يرونه هجاء.
لزوم ما يلزم: النتيجة الثمرية: للنقد إحدى فائدتين، فإما أن يكون وسام شرف أو دعوة إلى الأجمل والأفضل.
[email protected]