عادي
طلاب كبار يعتدون على الأصغر منهم

التنمر يقرع أبواب المدارس.. والحل في التوعية والعقاب

00:32 صباحا
قراءة 5 دقائق

تحقيق: جيهان شعيب
انكسار يتضافر بالقهر والانهزامية، وحزن يصل إلى حد الاكتئاب، فالانعزال شبه التام عن الناس، هذه المشاعر المتداخلة تصيب كل من يتعرض إلى التنمر ممن حوله، فيضحى عاجزاً عن دفع الإساءة، والسخرية منه، وتجاوز الاستهزاء به، ويعلق بنفسيته جرح عميق، يطيح بثقته بنفسه، واعتزازه بذاته، بما لا يمكنه أن يبرأ معنوياً بسهولة، ودون أي أثر سلبي يعرقل خطاه الحياتية.

وتتعاظم هذه الأحاسيس المؤذية للنفس، عند تعرض أي من الطلاب للتنمر من أقرانه في المدرسة، لاسيما وظاهرة التنمر ما زالت تراوح مكانها، وتضر بالصغار، خاصة الذين هم على أعتاب مرحلة المراهقة، رغم جهود الجهات التعليمية والمعنية في مواجهة ذلك، بقرارات، وتوجيهات، وبرامج توعوية، وربما أيضاً بمعاقبة من يفعل ذلك.

لا شك في أن الإساءة التي يتعرض لها الطالب من زملائه، سواء بالتندر على ملامحه، أو مظهره، أو نطقه للكلمات وغيرها، لا تمر عليه مرور الكرام، دون أن تؤذيه نفسياً، وتهدد بفشله دراسياً، حيث قد يتقوقع عن الاندماج مع المحيطين به، ويفقد التركيز في الفصل الدراسي، عن متابعة شرح معلميه، ويتشتت ذهنياً، مع شعوره بالدونية، لتفكيره المتواصل في السخرية التي لحقت به، فيحاول الهرب من مواجهة أي كان، أو التعامل معه، وفي الوقت ذاته ينخفض مستوى تحصيله التعليمي بشكل عام.

فما الحل؟ وما دور مجالس أولياء الأمور في التصدي لذلك؟ وهل للقانون وقفة حاسمة تجاه هذه الظاهرة؟

آفة خطيرة

بداية أكد محمد راشد رشود الحمودي، رئيس مجلس أولياء أمور الطلبة والطالبات بمدينة دبا الحصن، أن التنمر آفة عالمية شديدة الخطورة، أسبابه عدة، منها الجهل، والتعصب، وعدم احترام الرأي الآخر، ومن أشكاله التنمر اللفظي، والبدني، والاجتماعي، ومن ثم تطور، فأضحى هناك التنمر الإلكتروني، والعاطفي، فيما التنمر ليس وليد اللحظة، وإنما موجود منذ القدم، ولكن لم يصل إلى حد الظاهرة، إلا في وقتنا الحاضر، للأسف الشديد.

وقال: الجميع يتحمل المسؤولية في التنمر، بدءاً من الأسرة، والمجتمع المدرسي، والمدني، والمؤسسات الإعلامية، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، والمؤسسات الرياضية، بالتعصب الأعمى في التشجيع الرياضي، ولأن دولة الإمارات تدرك مدى خطورة هذه الظاهرة على أفراد المجتمع، وخاصة فئة الأطفال، واليافعين، فقد أطلقت مجموعة من المبادرات والقوانين للحد منها، مثل قانون وديمه، لذا وجب علينا كمؤسسات الدولة الاتحادية، والمحلية، والمجتمع المدني، التصدي لهذه الظاهرة، التي انتشرت، واستفحلت جذورها بين البشر.

ونحن في مجلس أولياء أمور الطلبة والطالبات في مدينة دبا الحصن، وجب علينا أن نسهم في هذا الدور التوعوي، من خلال تنظيم ورش، ومحاضرات تثقيفية لأولياء الأمور، وهي أساس التصدي لعلاج تلك المشكلة مع الأطفال، ومن ثم المجتمع المدرسي، لذلك ارتأينا العام الجاري أن تكون من ضمن أنشطتنا التي تعزز الشراكة بين أولياء الأمور، والمؤسسات التعليمية، والمجتمع المدني.

وكان سبق لمجالس أولياء أمور الطلبة والطالبات بإمارة الشارقة، وضمن الخطط الاستراتيجية لمجلس الشارقة للتعليم، أن قدمت مجموعة من المبادرات، والبرامج، لتطوير شخصية الطفل، وتكوينه النفسي، والعاطفي، والاجتماعي، للتوعية بهذه الظاهرة.

سلوك عدواني

وبالنسبة للموقف القانوني من ظاهرة التنمر، قال المستشار القانوني د. يوسف الشريف: التنمر بصفة عامة عبارة عن سلوك عدواني بقصد الإساءة، أو إيقاع الإيذاء بشخص معين، أو جماعة بعينها، وقد يتم بشكل مادي مباشر بالمواجهة بين المتنمر والمتنمر به، عن طريق التعدي بالضرب، وهو ما يسمى بالتنمر الجسدي، أو السب، أو الإهانة، أو التشهير، ويسمى بالتنمر اللفظي، كما يمكن أن يكون بطريق غير مباشر من خلال وسيلة من وسائل تقنية المعلومات، أو وسائل التواصل الاجتماعي، مثل نشر الإشاعات، والأكاذيب للحط من القدر، والمكانة، أو نشر صور مسيئة، أو رسائل تتضمن تهديدات، عبر وسائل تقنية المعلومات، وهذا ما يعرف بالتنمر الإلكتروني، وغالباً يكون التنمر استغلالاً لقوة، أو سلطة، مقابل ضعف، أو نقص، أو عاهة.

ولما يترتب على التنمر من آثار جسدية، أو نفسية، أو اجتماعية، كان لا بد من مواجهة صور، وأشكال التنمر كافة، لذا قامت دولتنا الرشيدة من خلال تأثيم الاعتداء على الأشخاص، بجميع صور التعدي المادي، واللفظي المباشر، والإلكتروني، والاعتداء على الخصوصية، وانتهاكها، ورصد المشرع الإماراتي على تلك الأفعال عقوبات جنائية مغلظة، سواء بقانون الجرائم والعقوبات، بالنسبة للتنمر العادي، وقانون الشائعات والجرائم الإلكترونية، في ما يتعلق بالتنمر الإلكتروني، ومن هذه العقوبات عقوبات مقيدة للحرية، وعقوبة الغرامة بحسب درجة جسامة الفعل.

جريمة مؤكدة

والجدير بالذكر أن التنمر جريمة أياً كانت البيئة التي ارتكبت فيها، فقد يكون في بيئة العمل بين الموظفين، أو جهة العمل والموظف، أو في الطريق، والأماكن العامة بين أناس لا يعرفون بعضهم، ومن أهم الأماكن التي تكثر بها التنمر المدارس، والجامعات، والمعاهد التعليمية، وذلك بين الهيئة التعليمية، والطلاب، أو بين الطلاب بعضهم، أو بين أعضاء هيئة التدريس.

وكل ذلك يقع تحت طائلة القانون من حيث التجريم والعقاب، ومن أجل ذلك كانت مشاركات الدولة وأجهزتها الاتحادية، والمحلية على المستوى الدولي، والإقليمي، بشأن مكافحة التنمر، ومن ذلك تخصيص الخامس من شهر نوفمبر سنوياً، اليوم الدولي لمكافحة جميع أشكال العنف، والتنمر في المدارس، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو»، وبرنامج «الوقاية من التنمر الذي أطلقه المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، وهذا البرنامج هو الأول من نوعه في العالم العربي، كما خصصت الدولة أسبوعاً من كل عام أطلقت عليه «الأسبوع الوطني للوقاية من التنمر»، وتنفذه وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع المجلس الأعلى للأمومة والطفولة.

لا يجوز شرعاً

وبالنسبة لموقف الشرع من التنمر بين الطلاب، يقول الشيخ السيد البشبيشي: التنمر سواء بالقول، أو بالفعل آفة كبيرة، تكاد تتحول إلى ظاهرة بين الطلاب في المدارس من ذكور وإناث، وساهم في انتشارها برامج الكاميرا الخفية، والمقالب في وسائل الإعلام والتواصل، وكذلك حالة الاستعلاء، والعنصرية، والطبقية التي اعترت البعض.

وكذلك ساهم في ذلك عدم تفريق بعض أبنائنا وبناتنا بين السخرية، والاستهزاء، والتنقيص من الغير من جهة، والمزاح، والتنكيت من جهة أخرى !! أما السخرية والاستهزاء بالآخرين، والهمز، واللمز، والتنابز بالألقاب، فحرام ولا يجوز.

والحل والعلاج للقضاء على هذه الآفة يتطلب أن يتولى المسجد والبيت والمدرسة تعويد الأبناء الثقة بربهم، ثم بأنفسهم، كي لا يكونوا أضحوكة بين الناس، وتنمية مواهبهم، ومهاراتهم، وتعويدهم الرحمة، وعدم العنف، والقسوة.

إشراك الأسر

ويحدد جاسم المازمي عضو المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة، الدور الواجب على مجالس أولياء الأمور في مواجهة ظاهرة التنمر، بادئاً بالقول إن مجالس أولياء أمور الطلبة والطالبات أنشئت في إمارة الشارقة منذ ثمانينات القرن الماضي بناءً على رؤى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، لعلم سموه مسبقاً بأهمية دور تلك المجالس، في الربط بين المدارس، والطلبة، وأولياء أمورهم، والمؤسسات المجتمعية المحلية، وهذا الربط الذي يخلق نوعاً من التآلف، وكسر الحواجز في حل كثير من المشكلات التي يتعرض لها الطلبة، وأولياء أمورهم، والتي من ضمنها ظاهرة التنمر المدرسي.

ولا شك في إن الدور الذي تلعبه المجالس في معالجة هذه الظاهرة، لا يتحقق إلا بإشراك أولياء الأمور، ودمجهم في البيئة المدرسية.

الدور الإعلامي

وقال علي النابوده: بداية لا شك في أن الدولة تولي اهتماماً كبيراً بقضية التنمر المدرسي، حيث اهتمت البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات بهذا الموضوع، عبر تشكيل لجان، ومراكز لحماية الأطفال، وكذا وزارة التربية والتعليم ‏تولي اهتماماً بالموضوع، ولا ننسى أيضاً دور وزارة الداخلية، في هذا الشأن، علاوة على تكاتف العديد من المؤسسات من أجل حماية الأطفال.

‏ أما دور الإعلام فقائم بشكل عام بالشكل الصحيح في مواجهة الظاهرة، ومن وجهة نظري أرى وجوب أن يسلط الإعلام الضوء عليها ‏داخل المدرسة فقط، ولا يخرج خارج نطاقها منعاً للمبالغة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y38cbba8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"