ديمقراطية غير خلاقة

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

في وقتنا الراهن بدأت تتسابق شاشاتنا الفضائية العربية والممتد أثرها إلى منصة تويتر - المصب وأحياناً المكب - تتفاعل بين الرسالة ومرسلها ومتلقيها بأشكال مختلفة، أبسطها المشاركة وأكثرها تعقيداً التحزب الرقمي، والأخير يظهر جلياً من خلال ظاهرة الوسم وتبعاتها وتمدد مجتمع الاستعراض في الواقع الافتراضي.
إن اختيار فكرة برنامج ما يفترض أن يقوم على قاعدة متينة أساسها البحث المتعمق لحاجة المجتمع واعتبارات السوق، وعناصر أخرى تحددها السياسة العامة والضوابط والمعايير المهنية، وقبل ذلك قناعات المجتمع وثوابته الدينية والأخلاقية وأعرافه، وذلك أمر لا يمكن القفز عليه حتى وإن سولت للعقول أفكارها أو اختلفت لأغراض تسويقية كانت أو أيديولوجية، خاصة وأن التغيير الفكري هو أمر استغرق قروناً في بعض المجتمعات التي نعترف لها بالتقدم الحضاري.
إن إطلاق برامج تلفزيونية تطرح مضامين من العيار الفكري الثقيل، يجب أن تسبقه مناقشة الأهداف من وراء هذا الطرح قبل تقديمه للجمهور كوجبة ذهنية صعبة الهضم عند العموم خاصة في منصات يسودها الخمول الذهني؟ وإن كنا نتحدث عن معيار كالحرية في الطرح، فأين تتوقف حدودها؟ عند عتبة القوانين الملزمة أو عند اللحظة التي ينفجر فيها بركان من الاستياء العام لأسباب يراها معظم المتابعين ماسة بثوابت نشأوا عليها؟
كما أن هناك الديمقراطية الإعلامية، وهي إحدى المسرات التي أسبغتها التكنولوجيا علينا، وقد برزت بعض مظاهرها من خلال منصة تويتر حيث يتم تبادل الآراء والاتهامات على حد سواء بين الفرق غير المتفقة، والتمسك بالمواقف الفكرية وإظهار ردود الفعل في سبيل الضغط لإحداث التغيير المرغوب من الجمهور.
وبين هذا وذاك يتحول الأمر لفوضى، أعتقد أن من واجب الإعلام الرسمي وضعها في الحسبان، لأنها يمكن أن تتحول إلى فوضى غير خلاقة إذا لم يتم توخي الحذر فيما يتم طرحه وتداوله، ففي عصر شبه الديمقراطية الرقمية الذي نعيشه، لم يعد مقبولاً أن تطرح فكرة ما دون تقديم البدائل، ولا أن تفرض حضوراً شخصياً دون أن يقابله حضور آخر يمكن أن يحقق التنوع المثري للمحتوى، خصوصاً وأننا نتعامل اليوم مع جمهور لم يعد هو المتلقي بل الصانع أيضاً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4ejp3h6m

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"