انهيار القيم في الزلازل

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

إلى أيّ قاع يمكن أن ينحدر الانهيار الأخلاقي، وراء قناع حرّية التعبير؟ لكن الشيء من مأتاه لا يُستغرب، فالمجلة الفرنسية «شارلي هبدو» التي حطمت كل الأرقام القياسية في الإساءة إلى الدين الإسلامي ورموزه، لم تردعها حتى ضرورة الخجل من الشماتة بالأبرياء في فجائعهم. نشرت رسماً كاريكاتورياً عن الزلزال المدمّر الأخير تحت عنوان «زلزال في تركيا» كتبت أسفل الأنقاض والمباني المنهارة: «لم يحتج الأمر حتى إلى إرسال دبابات».
ما هكذا تورد الفنون الساخرة، فهذا السهم المسموم مرتدّ إليكم عليكم، مع فضيحة أخلاقية ووصمة إنسانية ومعرّة مهنية. مركز الزلزال كان على عمق عشرين كيلو متراً تحت سطح الأرض، لكن جهلكم بأصول الإعلام ومنظومة قيمه أبعد غوراً بكثير. إذا كان انفجار الشماتة ناجماً عن براكين أحقاد إزاء المسلمين في سوريا وتركيا، فإن تصادم اللوحات التكتونية يعود إلى ثلاثة مليارات عام. ثم إن خطوط الزلازل لا علاقة لها بجغرافيا الأديان، فاليابان أخطر منطقة زلازل على الكوكب، وكاليفورنيا والمكسيك والشيلي ونيوزيلندا، فهل تلك ديار إسلامية؟ حسن طالع اليابانيين أنهم أدركوا منذ القرون الخالية قسوة طبيعتهم، فاتخذوا من الأخشاب بيوتاً، فكان الحطام حين تقع الزلزلة خفيف الوقع مأمون الصدع. منذ القرن العشرين صارت لهم إمكانات اقتصادية هائلة استطاعوا بها التوسع في العمران المقاوم للهزات العنيفة، خلاصتها في جعل المباني مرنة، ما يعني قيامها على الإسمنت المسلح، والحديد ليس زهيد الثمن، فهل للسوريين وأهل جنوب تركيا مثل ذلك الاقتدار المالي؟ فهل أنتم مصرّون على تعليم المسلمين كيف يتجاهلون الدعوة الإنسانية في ديانتهم السمحة فيشمتون بكم إذا أصابتكم مصيبة؟
كفى بكم داء أن تروا هاوية أوكرانيا شافية. أمّا التطبيق ذو السخرية البليغة للتعليق تحت الكاريكاتير، فهو إرسال دبابات «إبرامز»، «ليوبارد2»، «لوكليرك» و«تشالينجر» إلى أوكرانيا. ستحتاجون إلى مزيد المزيد من الحماقات الاستراتيجية. ما دخل ضحايا الزلازل ومنكوبيها، في ألعاب الأمم وأسواق الغاز والنفط والغذاء ورقعة الشطرنج الكبيرة في أوراسيا والصراع الدولي مع روسيا والصين والاصطفافات الجيوسياسية والتطرف والإرهاب وغيرها؟ 
سألت القلم: كيف ترى «شارلي هيبدو»؟ قال: كنت أحسن بك الظن في التقاط الماورائيات اللغوية. هي أحد اثنين: إمّا «شرّاً لي أبدوا»، أي أظهروا لي شرّاً، وإمّا «شرٌّ لي هَبْدُ» والهبد هو الحنظل، أي شرّ لديّ مرّ.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: انهيار القيم ينبئ بانهيارات أكبر.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8n6bpe

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"