الشارقة: علاء الدين محمود
تواصلت مساء أمس، السبت، في قصر الثقافة، عروض الدورة الرابعة من مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، بمسرحية «غجر البحر»، لفرقة قطر المسرحية، تأليف: طالب الدوس، إخراج: ناصر عبد الرضا، بمشاركة باقة من نجوم التمثيل.
نص العمل احتشد بالعديد من الرسائل التي طرحت بصور مباشرة ورمزية في بعض الأحيان أفكاراً تعلي من شأن الهوية وضرورة التمسك بالأرض والقيم والعادات والتقاليد النبيلة المتوارثة. يغوص النص عميقاً في الموروث الشعبي ليخرج بقصة جرت في زمان ومكان ما في الماضي في الخليج بقرب البحر حيث حياة الصيد، إضافة إلى حياة الغجر الذين يعيشون على شواطئ البحار، والقصة تتناول دور الأوهام والدجل والخداع وأثرها في حياة الناس البسطاء، حيث تشكل حاجزاً يحول دون الوعي الحقيقي بطبيعة الأشياء والمواقف.
وينفتح العرض على قصة جرت وسط مجموعة من الصيادين يعيشون على صيد السمك، وترتبط حياتهم وأرزاقهم بصورة كاملة بالبحر، وتبدأ الحكاية عندما يستيقظ واحد من الغجر يدعى «بحري» من نومه فزعاً، حيث داهمه كابوس وجد فيه نفسه في وسط اليم يصارع الأمواج، بينما كشف له البحر عن كنوزه ومحاره التي تخبئ اللؤلؤ، وقبل أن تبتلعه الأمواج تماماً، نهض من سباته وهو يصيح خوفاً وهلعاً، لتحاول زوجته التي تدعى «غجرية»، أن تهدئه طالبة منه أن يسرد لها الحلم الذي اعتبرته مضحكاً.
الحكاية تدور بصورة أساسية حول بحري وزوجته غجرية، حيث كان الأول بسيطاً ويعاني نوعاً من البله، بينما كانت زوجته شديدة الذكاء، غير أنهما عاشا حياة فقر مدقع، وكانت غجرية تجني رزق البيت من خلال الرقص للصيادين في مجلس منزلها، فكانوا مقابل ذلك يهبونها بعضاً من السمك، وحاولت غجرية قدر الإمكان أن تدفع زوجها لكي يعمل كبقية الصيادين، حتى لا يكونوا في حاجة إلى أحد، إلا أن «بحري»، المسكين كان يخاف من البحر لدرجة الرعب الشديد، وأمام هذا الواقع ما كان في مقدورهم غير انتظار إحسان الصيادين الذين كانوا يمنون عليهما ويعاملونهما بطريقة سيئة، باعتبارهما غرباء عليهم وعلى المكان.
وفي أحد الأيام وجد بحري نفسه بقرب شاطئ البحر الذي كان هائجاً في ذلك اليوم، فخاف وارتعب، وتمتم بكلمات للبحر طلب فيها منه أن يذهب عنه بعيداً ويختفي، وصادف، لأسباب طبيعية، أن اختفى البحر ولم يتبق غير الرمال مد البصر، فظن الصيادون أن لبحري قدرات خارقة، بل رسخ في ذهنهم أن الرجل ساحر وليس معتوهاً كما كانوا يظنون، فطلبوا من زوجته أن تخبره بأن يلقي على البحر كلمات حتى يعيده إليهم، فقد تبدلت أحوالهم وغشيتهم الفاقة وحاصرهم الجوع والبؤس.
وجدت غجرية في طلب الصيادين ضالتها، حيث سال لعابها وتحرك فيها الطمع، فكان أن طلبت من الصيادين ربع ما يصطادون من أسماك مقابل أن تطلب من زوجها أن يعيد إليهم البحر، وهو الأمر الذي أغضبهم غضباً شديداً، حيث اعتبروا أن غجرية تستغل حاجتهم وفقرهم، غير أن أطماع تلك المرأة لم تقف عند هذا الحد، بل وطلبت نصف الصيد، ولم يكن أمام الصيادين المساكين غير الاستجابة والموافقة، وتصادف أن عاد البحر بعد أيام من طلب بحري منه العودة، وبالطبع كان ذلك الأمر لأسباب طبيعية بعيدة عما تخيله الصيادون.
**قدرات خارقة
وبعد عودة البحر طلبت غجرية من الصيادين أن يعملوا عندها بأجر بدلاً من أن يمنحوها نصف صيدهم، مقابل أن لا يطلب زوجها من البحر الاختفاء، أو أن يضرهم هم، وعلى الرغم من غضب الصيادين، إلا أنهم وافقوا على ذلك الأمر بعد أن رسخ في أذهانهم أن لبحري من القدرات والقوى السحرية ما يمكن أن يضرهم بها.
استمر الأمر على ذلك المنوال، وكلما حاول الصيادون أن يجتمعوا على كلمة واحدة من أجل مقاومة سلطة غجرية وزجها، كانت تلك المرأة تفلح في بث الفتنة بينهم وتفريقهم عن بعضهم البعض، بل وقتلوا واحداً منهم بعدما ألقت غجرية في روعهم بأنه يخبرها بما يقولون، وبعد تفكير طويل تأكد لديهم العزم على ضرورة التخلص منها عبر القتل، وهو الأمر الذي لم يحدث لكنهم فهموا في النهاية أنهم وقعوا في أحابيل الوهم والخداع والتضليل، بعد أن تسرب إليهم الوعي.
النص مارس الكثير من الإسقاطات والإشارات، فهو يدعو للتأمل والتحلي بالوعي ومقاومة المعتدين الذين يريدون فرض هيمنتهم وثقافتهم وخلخلة واقعهم الاجتماعي، وهو الأمر الذي يتطلب التمسك بالهوية والثقافة ومحاربة الغزو الثقافي والفكري، وجاء النص ثرياً ومتنوعاً ويحمل دلالات عديدة، إلا أن هنالك بعض الاختلالات في طريقة بث الرسائل، خاصة أن الحكاية يبدو من الصعب تصديقها، فقد حملها النص أكثر مما تحتمل، رغم براعة الكاتب في توظيف فكرة الوهم والخداع.
*رؤية
المخرج التقط النص تماماً، وقدم رؤية ومقاربات إخراجية لافتة، حيث قام بصناعة تشكيلات مشهدية مميزة، مع استخدام جيد للإضاءة، كما لجأ إلى توظيف كائنات أسطورية حتى يعزز من فكرة الوهم والأحلام الغريبة التي تراود بطل الحكاية «بحري»، وجاء الديكور معبراً عن البيئة البحرية، مع الاستفادة من الخلفية لصناعة مشهد يشير إلى البحر عبر تشكيلات سينوغرافية جيدة، ونجح العرض في صناعة علاقة مع الصالة حيث تجاوب معه الحضور كثيراً.
