عادي

«آرت دبي 16» شيفرة فنية تلاحق معنى الإبداع

19:41 مساء
قراءة 4 دقائق

دبي: زكية كردي

اجتماع 130 صالة عرض، ومجموعة كبيرة من أبرز الفنانين من حول العالم، تحت سقف واحد، يمنح الزائر والمقتني موعداً مع الاكتشاف، ورحلة كثيفة تستفز الحواس والوعي، وتستحضر خبرات ومعارف الحياة التي عايشها لتسانده في فك تلك الشيفرة التي تنتقل معه من صالة عرض إلى أخرى، ومن حكايات بلد إلى آخر، متنقلاً ما بين عدد لا يحصى من المتناقضات، الصدمة، العذوبة، والغنى الحسي اللامتناهي. إنها المعادلة التي تفرد بها «آرت دبي» وهو يلاحق إبداعات فناني الجنوب العالمي وتجاربهم الفنية المشغولة بمزيج من معاناة وجمال يحكيه سحر هذه البلدان الأقل حظاً، والتي تشغل مساحة كبيرة في جنبات المعرض.

وصفت الفنانة نيرمين أبوديل، أعمالها وأختها نسرين أبوديل، منتجتي مجموعة «نقش»، بأنها احتفالية بجمالية التطريز. وقالت: التطريز جزء من ذاكرتنا وإرثنا النسائي، ولهذا عدنا هذا العام بقطع تحمل قصصاً عن قوارب اللجوء التي عرفتها فلسطين منذ زمن بعيد ومازالت دول العالم تشهدها. وهناك حكاية أخرى عن الثوب الفلسطيني الذي حاولنا أن نوثقه من خلال مجسم حجري يحمل حكاية الشبان القافزين فوق صخرة عكا.

من الصالات الإماراتية يتميز عرض «غاليري أيام» بأعمال مجموعة من أبرز الفنانين العرب مثل ثائر هلال ومطيع مراد وسامية حلبي وتمام عزام ورومي دال؛ إذ يقدم مجموعة متناغمة من الأعمال بتشكيلات لونية متناغمة كنوتة موسيقية موزعة على أساليب وسياقات وتجارب فنية تستحق التأمل.

ويقدم «أكتوبر غاليري» من لندن أعمال مجموعة من الفنانين الأفارقة مثل ألكسس باسكين، التي امتازت بأسلوب لافت اعتمد فيه الفنان على إبراز مجموعة من الوجوه الإفريقية التي نفذها بالمسامير الموزعة بأحجام وأبعاد موزعة بدقة عالية وكثافة مدروسة، مكتفياً بالحد الأدنى من الألوان، على عكس أعمال الفنان إيدي كامونغا لوغا الذي غذى لوحاته إفريقية الطابع بألوان حيوية نابضة بالحياة كما هو شائع في أعمال الفنانين الأفارقة.

وبالحديث عن الألوان لا بد من التوقف عند أعمال الفنانة عديلة سليمان في جناح «كانفاز غاليري» من كراتشي، والتي تميزت بطابع خاص ينطوي على الكثير من خصوصية الفن الشرقي؛ إذ اعتمدت الفنانة على إبراز الهوية الهندية بأسلوب مبدع من خلال ثلاثة أعمال مختلفة. وتوزعت عناصر اللوحة النحاسية وشخوصها الرمزية على اتساع الجدار، بينما امتد تصدر الجناح بساط بنقشات تقليدية وألوان كثيفة، يبدو كأنه تجسيد لأسطورة ما، بينما حملت باقي الأعمال مشاهد متتابعة نفذت على لوحات بيضوية ضمن مجموعات تبدو أشبه بتوثيق لأساطير الشرق القديمة.

ومن إيطاليا، قدم «غاليري مازوليني»، مجموعة من أعمال الفنانة المعاصرة متعددة التخصصات مارينيلا سيناتوري، وهي عبارة عن منحوتات ضوئية، وأعمال فنية مجمعة للفنانة التي تعد من أكثر الفنانين الإيطاليين شهرة عالمياً، وتتشكل أعمالها الفنية من مجموعة من الحلول اللغوية؛ إذ تستخدم الفنانة الصور والفن التشكيلي والأشكال العامية باعتبارها سمات مثيرة للعواطف تحمل طابعاً اجتماعياً.

أسئلة

لعل من الصعب تجاوز الأسئلة التي تثيرها أعمال الفنان علي شيري في «بركات كونتمبرري» ومجسماته الطينية الغريبة لكائنات تستحضر وحشية الحرب برؤوسها المعدنية الشرسة والتي استبدل فيها بالتكوين البشري أشكالاً أخرى توحي بالوحشية والشراسة التي تمثلها الحرب، ولا تقل قدرة مجسم الفنانة نيفين ألداغ على استثارة التفكير في المجسم الموسيقي الذي دمجت فيه مجموعة من الآلات الوترية بعد أن جردتها من أشكالها التقليدية ومنحتها تصاميم وتشكيلاً هندسياً مختلفاً، لتجمعها في عمل واحد يطرح الكثير من الأسئلة والفرضيات الفنية.

الأسئلة في أعمال تايبة بوغرن ليبي في «غاليري شيرين إمباير» من نيودلهي، جاءت على شكل مفردات جارحة؛ إذ استخدمت عدداً كبيراً من شفرات الحلاقة القديمة التقليدية لتشكل منها مجسماتها الخاصة بأشياء وأغراض المرأة، مثل مشبك الشعر، والحذاء، وغيرها من الأدوات، لتحمل هذه المجسمات دلالات نسوية تعبر عن معاناة النساء ربما.

ثلاث فنانات

عن مشاركة مركز «تشكيل»، أوضحت ليسا بول ليتشكار، نائب المدير، أن هذه المرة الأولى التي يشارك فيها عارضاً؛ إذ اقتصرت المشاركات السابقة في «آرت دبي» على الوجود ضمن جناح.

وقالت: هذه السنة نقدم أعمال ثلاث فنانات من خلفيات مختلفة منهن باولا أنزيكا المشاركة معنا ببرنامج «الفنان المقيم» بالتعاون مع «دار لوربيان» للأزياء التي تنتج الصوف الكشميري بمستوى جودة عال جداً. وأنتجت الفنانة مجموعة من الأعمال المستوحاة من البيئة الإماراتية منها القطع المعروضة وهي عبارة عن جرار من الصوف تحاكي القطع الأثرية في المنطقة، وهناك أعمال شمّا العامري وهي جزء من برنامج الممارسة النقدية في «تشكيل»، واختير عملان من معرضها الفردي الذي أقيم في المركز مؤخراً، وتتناول فيه مفهوم كلمة «صح»، وأيضاً أونسا غيفارا، وهي مشاركة ببرنامج «الفنان المقيم»، وتتناول أعمالها علاقة الإنسان مع الطبيعة.

جغرافيا الفكر

أوضحت هالة خياط المدير الإقليمي «لأرت دبي» أن نسخته السادسة عشرة هي الأكبر على الإطلاق؛ إذ تحوي 130 صالة عرض، من 40 دولة، مع استمرار التركيز بقوة على الجنوب العالمي، وقالت: التركيز على الجنوب العالمي ليس بتأثير جغرافيا المكان؛ بل جغرافيا الفكر، فالمعارض العالمية تركز بنسبة لا تجاوز ال5% على الفن في بلدن المنطقة، لهذا نحرص على أن يكون آرت دبي منصة لفناني الشرق الأوسط والدول الأقل حظاً بنسبة 95 %. وهذا يمنح المعرض خصوصية وفرادة، فهو معرض الاكتشافات بالنسبة للمقتني الغربي، وحتى المقتني الشرقي فهو يجد فيه فناً جديداً، لكن يشبهه ويحاور قضايا عالمه.

وأوضحت أن المعرض يسلط الضوء على التوجه الفني نحو إعادة التدوير من كل أنحاء العالم؛ إذ يلجأ الفنانون إلى استخدام مواد خلاقة كالفنان، وأوضحت أن الفنانين عادة يشركون المدارس والعمال في هذه الأعمال وهذا يولد حركة اقتصادية دائرية.

ولفتت إلى أن برنامج الجلسات الحوارية الذي يقام ضمن فعاليات «آرت دبي» يعد الأضخم هذا العام مع دعوة نحو 600 متحدث من محورين وباحثين وفنانين، وأن البرنامج يتضمن أكثر من 60 محاضرة ضمن «غلوبال آرت فوريوم» الذي يستمر يومين. وقالت: ثيمة هذا العام هي «تنبؤ الآن»، ومن جديد المعرض التعاون مع دار «كريستيز» للمزادات، باستضافة مؤتمر «الفن والتكنولوجيا» الذي أطلقته الدار قبل ست سنوات، وقررت أن تقيمه هذا العام بدبي ضمن الفعاليات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2x9sdft4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"