الأمم النابهة والأمم الخاملة

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

مع أنّ ابن خلدون هو ابن ونتاج حضارتنا العربية – الإسلامية، لكننا لم نكن من اكتشف أهمية منتجه الفكري. هذه إحدى المفارقات المُرّة مع علاقتنا مع أنفسنا وثقافتنا. حين يكتشف الآخر مواقع التميّز في منتج مفكرينا وأدبائنا نهرع إلى الاطلاع عليها، كأننا من اكتشف الكنز.
أينمّ ذلك عن عقدة نقص متأصلة في تكويننا الثقافي قد لا نكون منتبهين إليها، فلا نرى أنفسنا إلا عندما تظهر في مرآة الآخر؟ لا نملك إجابة قاطعة، ولكنه سؤال نطرحه للتفكر وربما للمناقشة، وهو سؤال أثارته في الذهن ملاحظة وجيهة للمفكر اللبناني فريدريك معتوق، في كتابه «تطوّر الفكر السوسيولوجي العربي»، قال فيها إن المثقفين العرب، أو بعضهم «هرعوا إلى ابن خلدون بعد إشارات المستشرقين، وبدأوا التنقيب في مقدمته عن كل ما يتعلق بمخاض حياة العرب، سياسياً واجتماعياً وتاريخياً». وفي رأي معتوق «فإننا نسينا أن لنا مفكرين سبقونا وسبقوا المفكرين الغربيين في ملاحظة وتحليل الظاهرات الاجتماعية، حتى نبّهنا الآخرون إلى ما نحن غافلون عنه».
وقول فريدريك معتوق هذا لم يأت في سياق حديث عن ابن خلدون نفسه، إنما عن مفكر عربي آخر، هو صاعد الأندلسي، مؤلف كتاب «طبقات الأمم» الذي حوى، بتقدير الباحث «العديد من الملاحظات الأولية والمهمة يمكن أن نردّها في قائمة العلوم المعروفة اليوم بعلم اجتماع المعرفة». وتتمحور أطروحة صاعد الأندلسي الذي عاش في القرن الحادي عشر الميلادي، حول أن جميع الأمم مشروطة في ما يتعلق بعلاقتها بالمعرفة بتوزعها الجغرافي على سطح الأرض، فالمناخ هو السبب الرئيسي في تأخر، أو تقدّم الشعوب والأمم على صعيدين: المؤهلات البدنية والذهنية، ومدى ثراء المعرفة الثقافية.
تجدر الإشارة هنا أن الجاحظ الذي عاش قبل صاعد الأندلسي بنحو ثلاثة قرون، أي في الفترة بين القرنين الثامن والتاسع الميلاديين، كتب في «البيان والتبيين» مفرّقاً بين الأمم المتحضرة التي هي في رأيه: العرب والفرس والهنود والروم وبيزنطة، وبين الهمج، كما كان يطلق عليهم، ليأتي الأندلسي ليفرق بين الأمم النابهة والأمم الخاملة، فوضع الهنود والفرس والكلدانيين والعبرانيين واليونانيين والروم وأهل مصر والعرب بين الأمم النابهة، ووضع سكان الأقاليم الشمالية في الموقع النقيض، متوقفاً أمام دور اللغة، فالعربية، مثلاً، التي انبثقت من الكلدانية وتميزت عنها فيما بعد، نجحت في تشكيل حضارة مميزة حولها، «فلا تميّز حضاري من دون تميّز لغوي»، وفي هذا القول عبرة لمن أراد أن يعتبر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y2d2ac96

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"