الاختراق الصيني والرؤية الخليجية

الاختراق الصيني المفاجئ في العلاقات بين السعودية وإيران يستلزم تطوير رؤية خليجية للتعامل مع الصين
00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول *
لم تكن محادثات السلام بين السعودية وإيران في بكين، في 4-10 مارس(آذار) الجاري، أول مرة تنخرط فيها الصين في مشكلات الشرق الأوسط. فقد طرحت بكين عام 2013 خطةً من أربع نقاط لتسوية الصراع العربي- الإسرائيلي، لكن السياق الإقليمي والدولي الذي طرحت فيه، ضمن عوامل أخرى، تكفل بإفشالها. بيد أنّ السياق واستعداد الدولتين للتقارب أسهما في نجاح المساعي الصينية، وتوقيع اتفاق استئناف العلاقات بين السعودية وإيران.

فالسياق الدولي يتسم بتركيز العالم على الحرب الأوكرانية - الروسية ومجرياتها ومآلاتها. وبدا الدور الخارجي والتأثير العالمي للولايات المتحدة، برغم تدخلها غير المباشر أو عن طريق حرب بالوكالة في أوكرانيا، ينحسر رويداً رويداً، مخلفاً مناطق فراغ تتقدم الصين بثبات لملئها. وعلى المستوى الإقليمي، لم يكن دور الولايات المتحدة وتأثيرها أحسن حالاً، برغم نفيها قلة اهتمامها بالمنطقة أو انسحابها منها لمصلحة التركيز على أقاليم أخرى أكثر أهمية للمصالح الأمريكية، يأتي على رأسها أوروبا الآن وإقليم الإندو- باسيفيك بعد أن تضع حرب أوكرانيا أوزارها. أضف إلى ذلك توافر الاستعداد على المستوى الثنائي لتحقيق تقارب بين السعودية وإيران.

فالأخيرتان تنخرطان في محادثات مباشرة استضافتها بغداد ومسقط لإعادة تطبيع العلاقات بينهما منذ فترة، وكانتا مقتنعين بأن التقارب، بل والتعاون، بينهما أفضل من التنافس أو الصراع لتحقيق مصالحهما الوطنية، وإرساء الاستقرار الإقليمي باتت المنطقة في أمسّ الحاجة إليه لإعادة التركيز على قضايا التنمية.

وقد تواكب ذلك كله مع بدء الرئيس الصيني شي جي بينغ فترة رئاسة جديدة، وتطلعه إلى صنع صورةٍ لنفسه كرجل دولة عالمي، وكفاحه لترقي بلاده إلى مكانة الدولة العظمى في إطار تصاعد المنافسة مع الولايات المتحدة على قيادة النظام الدولي، أو بالأحرى إعادة تشكيل النظام باتجاه التعددية، كما تريد الصين وحلفاؤها أو بترسيخ الأحادية القطبية، كما تسعى الولايات المتحدة جاهدةً. ولنتذكر، في هذا الخصوص، طرح الصين خطة سلام من 12 نقطة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وعزم الرئيس شي زيارة موسكو الأسبوع المقبل، بعد اتصالاته بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، للترويج للمبادرة الصينية وإعطائها دفعة قوية.

والأهم من ذلك أن التقارب بين السعودية وإيران يصب في المصلحة الصينية. فالصين، التي ملأت الفضاء الإعلامي والدبلوماسي في المنطقة منذ ثلاثة أشهر بعقدها ثلاث قمم مع القيادة السعودية ومع قادة دول مجلس التعاون الخليجي وقادة عدد من الدول العربية، لها مصالح اقتصادية واستراتيجية واسعة النطاق في الدولتين والإقليم. فبكين هي أكبر شريك تجاري للسعودية التي تُعد أكبر ممولي الصين بالنفط. كما أن إيران حليف سياسي وشريك استراتيجي مهم لإيران. وتستورد الصين حالياً نحو 40% من احتياجاتها النفطية من منطقة الخليج، التي تُعد من أكبر الأسواق للمنتجات الصينية. دون الحديث عن أن منطقة الخليج ذات دورٍ رئيس في الاستراتيجية الصينية الكبرى «مشروع الحزام والطريق»، وهي أهم بوابات الصين لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية على المستويين الإقليمي والعالمي.

بيد أنّ هذا كله لا يُقلل من أهمية الاختراق المفاجئ الذي أحدثته الصين في العلاقات بين السعودية وإيران. فيُنظر إلى استئناف العلاقات السعودية-الإيرانية، كما أشارت «كارين إليوت هاوس» في صحيفة «وول ستريت جورنال» بحق، على أنه يُقلل احتمالات نشوب صراع واسع النطاق في الشرق الأوسط بفعل ضربة جوية إسرائيلية محتملة للمنشآت النووية الإيرانية في ضوء التكهنات بفشل محادثات فيينا النووية. كما أنّ التقارب السعودي-الإيراني سوف ينعكس على الملفات الإقليمية الأخرى لجهة تسهيل تسويتها، وعلى رأسها الحرب في اليمن والصراع في سوريا والمسألة اللبنانية.

والأهم من ذلك أنّ الاختراق الصيني المفاجئ في العلاقات بين السعودية وإيران بات يستلزم تطوير رؤية خليجية مشتركة للتعامل مع الصين، ولاسيما أن دول الخليج الست ترتبط بشراكات استراتيجية مع الصين، وتُركز في توجهاتها الخارجية على تنويع الشركاء، ويتنامي دورها ونفوذها الخارجي في إطار ما بات يُعرف ب«لحظة الخليج» في السياسة العالمية. كما أن الصين، من خلال فهم سلوكها السابق، يعنيها في المقام الأول تأسيس علاقات منفعة متبادلة، متحررة من المشروطية السياسية، مع دول مجلس التعاون الخليجي. وقد يكون من أبعاد هذه الرؤية إسهام الصين في حل مشكلة الملف النووي الإيراني، وكبح دور طهران المزعزع للاستقرار الإقليمي، والإسهام في الترتيبات الجارية على قدمٍ وساق لتشكيل نظام دولي تعددي جديد.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

*[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3pu7mdn2

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"