عادي
هنري رايبورن أحد أبرز رسامي البورتريهات

«القبعة والعصا».. اللعب براءة لا تعرف الهموم

19:57 مساء
قراءة 3 دقائق
1

الشارقة: عثمان حسن

الفنان الإسكتلندي هنري رايبورن (1756 – 1823) هو ابن صاحب معمل في أدنبرة، تتميز أعماله بالواقعية الصارخة التي تتجلى في ألوانه المبهرة والمركبة، وكان يتبع فلسفة أن كل شيء يجب أن ينجز كما هو في الطبيعة، ويشهد على ذلك أعماله التي تزامنت مع مرحلة تطور الفنون في القرن التاسع عشر وانتقالها من الرومانسية إلى الانطباعية.

تيتم رايبورن صغيراً فأعاله شقيقه الأكبر.. في سن الخامسة عشرة، تدرب على يدي الرسام والنقاش الإسكتلندي ديفيد مارتن، حيث قام بتزيين الكثير من قطع المجوهرات والخواتم، بعد ذلك قدمه مارتن إلى الرسام الرائد في فن البورتريه آلان رامزي، فقام الأخير بتكليف رايبورن بنسخ كثير من الصور الشخصية في مرسمه، سرعان ما اكتسب رايبورن خبرة متقدمة في رسم البورتريه فقرر المضي قدماً في هذا المجال.

في العشرينات من عمره طلب منه أن يرسم صورة لسيدة شابة كان قد لاحظها وأعجب بها حين كان منهمكاً برسم مناظر طبيعية، كانت الشابة هي ابنة بيتر إدغار من بريدجلاندز وأرملة الكونت ليزلي، التي فتنت بالرسام الشاب المثقف والوسيم، أصبحت زوجته في غضون شهر، وفي هذه الفترة أصبح رايبورن يمتلك ثروة مادية، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة حماسه في تطوير مهنته.

بعد عامين من الدراسة في إيطاليا، عاد إلى أدنبرة في عام 1787، وبدأ حياته المهنية الناجحة كرسام بورتريه.. وفي هذه الفترة وما بعدها، صار رساماً محترفاً ومن أبرز أعماله في هذه المرحلة لعبة «العصا والقبعة».

*تناقض

تجسد صورة «القبعة والعصا» رسماً للأخوين جون وجيمس ألين، وهما من عائلة إسكتلندية شهيرة، حيث ولد جون في 1781، بينما ولد شقيقه جيمس ألين في عام 1783، يظهر الولدان في الرسم وهما يلعبان اللعبة الشهيرة في زمنهما المعروفة باسم «القبعة والعصا»، الطبيعة الدقيقة للعبة غير واضحة، على الرغم من أنها من المفترض أن تكون شكلاً من أشكال القتال الوهمي، وبالتالي هي نسخة صبيانية من المبارزة. ومهما كانت الحالة التي توحي بها اللعبة، فإن الحركة في اللعبة سمحت للفنان بتصوير الشقيقين في حالة من التناقض الواضح.

الصبي الأكبر سناً يبدو في الرسم واقفاً في هيئة من النشاط والتحفيز البادي على ملامحه، وكأنه في حلبة مبارزة حقيقية، أما شقيقه الأصغر، فيبدو غير مبال (كما يدل مظهره) فهو أقرب إلى الكسل، بينما يبدو شقيقه الأكبر أكثر صرامة، ومبدياً أكبر قدر من التنافس، في حين ينتبه وجه الصغير أكثر نحو المشاهدين.

في توصيفه للأولاد، يلمح ريبورن إلى جوانب الصبا بشكل عام، يشير تعبير الصبي الصغير ووقفته إلى براءة خالية من الهموم، في الوقت الذي يقوم شقيقه الأكبر بضرب العصا في بطانة القبعة، التي تمزقها بالفعل، وفي عينيه تبدو نظرة تصميم على كسب المباراة، ما يوحي بضياع البراءة، كانت هذه الرؤية الغامضة من سمات الفترة الرومانسية، التي ولدت فكرة الطفولة كحالة مثيرة للاهتمام في حد ذاتها، وليس مجرد مقدمة لمرحلة البلوغ.

ينجح رايبورن في تقديم مشهد مفعم بالإشراق، يبدو جلياً في صورة الطفلين وملابسهما الزاهية، ومن جهة أخرى، فهو يقدم خلفية ملونة، تجسد كافة الألوان التي تظهر ملمح الطبيعة في إسكتلندا.

ومن جهة أخرى، تظهر اللوحة حرفية واضحة في رسم التفاصيل، لقناعته في تقديم مشهد شديد الالتصاق بالواقع الذي يعيش فيه.

*نخبة

لقد لمع رايبورن في رسم مجموعة من نخبة المجتمع الأوروبي في الشعر والأدب والسياسة والفن مثل: السير والتر سكوت، هيو بلير، هنري ماكنزي، اللورد وودهاوسلي، ويليام روبرتسون، جون هوم، روبرت فيرجسون، ودوجالد ستيوارت، ومن أعماله الناضجة السير هنري مونكريف ويلوود، تمثال نصفي للدكتور واردروب من توربان هيل، وآدم رولاند، واللورد نيوتن والدكتور ألكسندر آدم.

كانت لندن محطة رئيسية لرايبورن التي كانت موئلاً لشغب الفنانين العالميين، وفيها تعرف إلى السير جوشوا رينولدز الذي نصحه بشأن ما يجب دراسته في روما. وفي روما التقى بجافين هاميلتون، وبومبيو جيرولامو باتوني وبايرز، وهذا الأخير هو تاجر تحف أثبتت نصيحته أنها مفيدة له بشكل خاص، لا سيما التوصية بأنه «لا ينبغي له أبداً أن ينسخ أي شيء من الذاكرة؛ بل عليه التمعن بأدق التفاصيل».

مثلت السيرة المهنية لهنري رايبورن لحظة فاصلة في الفن الإسكتلندي في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر، وكانت اهتماماته كفنان متنوعة جداً، إلى الدرجة التي وصفه أحد النقاد بقوله: «لن تتخيله أبداً كرسام حتى يمسك بالفرشاة واللوحة».

الصورة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc6r83p7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"