جدار حديدي في وجه الغرب

00:33 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

شكلت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لموسكو، علامة فارقة على صعيد العلاقات الدولية، فهي تأتي في ظل ظروف عاصفة عسكرياً وسياسياً، وتتزامن مع هجوم غربي كاسح ضد روسيا والصين. وعلى الرغم من أن الصين تؤكد في كل مناسبة أنها ملتزمة الحياد، فإن غرماءها ينظرون إليها بعين أخرى، فهذه الزيارة عدّها الغرب تحالفاً ضمنياً، ودعماً لموسكو في مواجهتها حملة الغرب.

 الرئيس الصيني لقي حفاوة كبيرة في موسكو، وكان لقاؤه مع الرئيس بوتين بعيداً عن البروتوكلات الرسمية، وهو ما عبّر عنه شي، عندما قال: إن «بوتين صديقه العزيز»، واستخدم الأخير المصطلح ذاته لضيفه، إلى جانب تأكيد الزعيم الصيني لنظيره بأنه سيكون داعماً رئيسياً له في الانتخابات المقبلة 2024، ما يدل على دفء العلاقات حتى أعلى الهرم، وتوافق الرؤى في فرض دولتيهما، قطبين عالميين، على الرغم من «أنف الغرب» الذي يرى فيهما عدوين لدودين، ويسعى جاهداً لتثبيط طموحاتهما، وكان من آخر بدع الغرب وشطحاته، إصدار المحكمة الجنائية الدولية، مذكرة اعتقال بحق بوتين، ردت عليه بكين بأنه «غير منصف».

 شي قصد روسيا حاملاً رسالة سلام، وناقش مع نظيره الخطة المكونة من 12 بنداً، لتسوية الصراع في أوكرانيا، لكن كييف والغرب غير مقتنعين بها من مبدأها، فهما ينظران إلى الصين كطرف منحاز، متجاهلين تأكيد بكين مراراً حياديتها، لكن مهما يكن، فإن المبادرة لن ترى النور، وبكين تدرك ذلك بعدما وضع الغرب العصي في دواليبها، إلا أن جوهر توجه شي لموسكو، هو تأسيس علاقات متينة لا يمكن هزها، للوصول إلى ما يطمح إليه البلدان.

 هذا التوافق عبّر عنه الرئيسان بأنه تاريخي والأقوى بين البلدين، ويأتي في هذا الظرف، لتوجيه رسالة صارمة للمعسكر الغربي، أنهما في الساحة، ولا يمكن مهما فعل سحقهما أو إعادة عجلتهما إلى الوراء؛ بل إنهما وضعا أسساً لتعزيز التواصل مع دول عدة، وإثبات حضورهما عالمياً، فروسيا وضعت قدمها بالفعل في دول إفريقية، بعدما ملأت الفراغ الذي تركته فرنسا، كما أن لها وجوداً في منطقة الشرق الأوسط، وعلاقات وطيدة مع دول في أمريكا اللاتينية، في حين أن الصين بدأت بقوتها الدبلوماسية، تبديد خلافات تاريخية بين دول عدة، وتطرح نفسها وسيطاً عالمياً نزيهاً على خلاف الولايات المتحدة التي تفرض أيدلوجيتها بالقوة على من يخالفها.

 تعميق أواصر العلاقات بين القوتين -الصين وروسيا- عبر تحالفهما حتماً لن يُرضي الغرب، الذي تجند في مهاجمتهما، ولن يمل من السعي نحو إيجاد شرخ في تحالفهما، لدفعه للتصدع، لأنه بالنسبة له، الأمر بات مسألة وجود، وهو يرى في حضورهما، اضمحلالاً له، ولن يذعن بسهولة لذلك.. لكن السفن الصينية الروسية لن تسير وفق ما تتمناه رياح الغرب؛ إذ إن التحالف الجديد يؤطر لواقع دولي جديد، وعلى الآخرين التعامل على أساسه، وإلا فإن الحسرة ستكون من نصيب من يناصبه العداء، فلا الصين ولا روسيا بوارد الهزيمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycy6en9c

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"