لا تقرأ عن الحياة التي تريدها بل عشها

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

يبدو لنا أحياناً كثيرة بأنّ القراءة تكفينا سعادة وإنجازاً، وكأنه بإمكاننا اختصار الحياة بأسرها في بضعة كتب أو جمل حكيمة أو روايات نتمثّل شخصياتها، لكن الحقيقة أن القراءة ليست الحياة، رغم أنها واحدة من بين أفضل الطرق للبقاء على قيد الحياة، حيث نغرق في بحر الكلمات، ونحتمي هناك، ونولد من جديد في جزر الصفاء الأدبية، وننهل من خبرات الآخرين، ونكتسب المزيد من المعارف والعلوم، ونعيش أحلامنا بين السطور.
صحيح أن علينا أن نقرأ من أجل أن نعيش، غير أننا يجب أن نجعل قراءتنا عملاً حيوياً لا محور وجودنا فننسى أننا نحيا في واقع يختلف في كثير من الأحيان عما نقرأه ونطالعه من قصص وتجارب، فننعزل عن الأهل والأصدقاء ونصبح منطويين على أنفسنا كأن بيننا وبين المحيطين بنا جدار عازل، فلا نجد سعادة بعيداً عن الكتب، كما لو أننا أسرى الكلمات والصفحات التي اندمجنا فيها حتى صرنا جزءاً من أحرفها الأبجدية.
نحن نتنفس، نأكل، نشرب وننام كي نكون قادرين على العيش، ونقرأ كي نستمتع ونتعلم؛ فالقراءة كتاب يغذينا ويعلمنا ويجعل عقولنا أكثر حرية وقوة. لكن علينا ألا ننسى أيضاً أن القراءة وسيلة لإعطائنا خبرة كافية للتعامل مع الناس واستيعابهم وفهم أفكارهم، وليست وسيلة لتقييم الآخرين والتقليل من شأنهم لأنهم ليسوا بقارئين نهمين مثلنا، فلا ينبغي أن نتفاخر بعدد الكتب التي قرأناها ونقلل من أهمية تجارب الحياة التي يعيشها الآخرون.
نحن كثيراً ننسى أننا نعيش، ونجعل القراءة هدف حياتنا، والكتب عائلتنا الوحيدة. ومع الوقت نبتعد عن العالم الواقعي، ويصبح التعامل مع الوسط الخارجي أشد صعوبة.
بالرغم من أن القراءة حياة لا يتوقف فيها التفاعل الدائم بين الكلمات والخيال، ووسيلة ناجعة للتعرف على أفكار مختلفة، وعيش حياة أفضل، إلا أنها لا تغنينا عن العيش في العالم الخارجي والاندماج فيه، واكتساب خبرات حياتية حقيقية وخوض التجارب المختلفة كل يوم.
إن الحياة تستحق أن نحياها لا أن نقرأ عنها فقط. نحن نملك حياة واحدة فحسب؛ فلنخرج من عزلتنا وقوقعتنا، ولنخُض تجارب جديدة، ونحقق بعضاً من تطلعاتنا وأحلامنا على أرض الواقع لا في مخيلتنا، ولنجعل القراءة بهدف المتعة والتعلم لا محور حياتنا وغاية وجودنا وهدفنا الأوحد؛ فمن يريد أن يحيا عليه أن يغامر كثيراً، ويخوض غمار التحدي ويبحر في بحر الحياة الحقيقية بشجاعة فيواجه تحديات العالم، لا أن يبقى حبيس دفتي كتاب.
محمد سعيد القبيسي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3ppn58n9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"