الآكلون والتجار

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

«رمضان كريم».. وللكرم معانٍ وأوجه عدة؛ فما بين كونها جملة تلقى على مسامع العابرين، بضغطة زر على اختيار «الكل» في الهاتف النقال، إلى ولائم تشبه ما يجري في الأعراس، مع اختلاف المسمّيات وغياب رأسين في الحلال، وتعويضها برؤوس وذبائح على الأواني المذهّبة الفاخرة التي تمتدّ إليها أيادٍ تلبس أرقى الساعات والجواهر التي قبعت طويلاً في الخزائن فجاءت الفرصة لإخراج زكاتها، في جمعة تعرف ب«الغبقة» الرمضانية.. وهنا استفتوا المفتي. 
«غبقة» مصطلح متداول في الكويت، وانتشر أخيراً في دول الخليج، وهو يعبر عن «الفالة»، ولكنها منزوعة من أصالتها وسط مظاهر التقدمية؛ تقيمه بنت فلان التي تنافس بنت علان في استقدام أشهر دور الضيافة والمطابخ والهدايا الباهظة التي تكلف آلاف الدراهم؛ فالأمر لا مجال فيه للاستهانة مع سباق حصد أكبر عدد من الإعجابات على مواقع التواصل.
ولا يهم ما يجري خلف الأبواب الموصدة من صراعات أسرية وزوجية، نتيجة إرهاق كاهل أرباب الأسر بالصرف على بذخ الملابس وزينة رمضان وهداياه، فكيف بمن لديه أربع بنات أو خمس؟!
ولكن يبقى لكل عملة وجهان؛ ففي الوقت الذي تُملأ فيه البطون ويذهب معه الأجر في الإسراف والنميمة، ترجح كفة التجار، ممن يدرّ عليهم هذا الموسم بالربح الوفير، وخاصة في الأكل والمشروبات والحلويات والضيافة؛ إذ تنتشي الجيوب وتزدهر الأسواق وتنتعش معه التجارة الإلكترونية، وحسابات العمل الحر على مواقع التواصل. وهنا أنت من تختار، إما أن تكون صاحب المال الذي بذّر، أو صاحب الحلال الذي يتضاعف بوجود فئة تبدو في تصاعد مستمر، مع عدم وجود حسّ ووعي تجاه قيمة المال، ولا أسهل من تحويل مطبخ بيتك إلى مسرح التجارة.
وهنا لا حلول وسطاً تبدو متاحة في القريب العاجل؛ لأن شهوة المديح والتبجح الرقمي، أقوى من ضبط النفس وردعها.. وحتى تأتي مرحلة الاتزان، لا بدّ أن يمر المرء بضائقة تكبح جماح صرفه، أو يتعرض لقدوات وأشخاص يؤثرون في اتجاهاته وفي المظاهر الاجتماعية التي تحنّ إلى العفوية.. ولا يخفى عليكم من هم القدوة اليوم وكم تصعب مجاراتهم، رغم أن القدوة الحسنة وعلى رأسها القيادة الرشيدة، تحثّ دوماً على الاعتدال بطرح مبادرات مجتمعية مختلفة وتوعية الجمهور بما يحيطهم في بقاع العالم من فقر وأطفال يموتون يومياً جوعاً.
خلاصة القول، اختياراتنا نحن نحددها، فإما أن نكون من الفائزين ديناً ودنيا، بالاتزان واقتناص الفرص الاستثمارية في مواسم نشيطة كهذه، وإما أن نكون من الآكلين المتخمين بشهوة الطعام و«التباهي» الساكبين جهدهم، لتعويض شعور النقص بمديح افتراضي يتلاشى في ثوانٍ.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2mbyv4sa

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"