عادي
رسام هولندي من العصر الذهبي

يان ستين.. وجوه بسيطة مرسومة بألوان السعادة

01:50 صباحا
قراءة 4 دقائق
لوحة «فلاحون أمام النزل»
يان ستين

الشارقة: عثمان حسن

يان ستين (1626 - 1679) هو رسام هولندي من العصر الذهبي، وأحد الفنانين الرواد في القرن السابع عشر، تشتهر أعماله بالبصيرة النفسية وروح الدعابة ووفرة الألوان. كان الابن الأكبر من بين ثمانية أطفال، ومثله مثل رامبرانت فان يان، التحق بالمدرسة اللاتينية وأصبح طالباً في ليدن. وعلى الرغم من عدم الاحتفاظ بسجلات رسمية لتدريبه الفني، تخبرنا المصادر الحديثة أنه تلقى تعليمه الفني على أيدي ثلاثة فنانين: نيكولايس كنوبفر (1603-1660)، وهو رسام ألماني للمشاهد التاريخية والتصويرية في أوترخت، وأدريان فان أوستاد، وجان فان جوين الذي أصبح فيما بعد صهره، ووالد زوجته.

ويمكن العثور على تأثيرات كنوبفر في استخدام ستين للتكوين واللون. ومصدر آخر للإلهام في أعمال ستين جاء بتأثيرات إسحاق فان أوستاد، رسام المناظر الريفية، الذي عاش في هارلم. وسجلت الفترة الزمنية ما بين (1656 و1670) ذروة نشاطه الفني الاحترافي، وهي الفترة التي أنجز فيها لوحات تتسم بطابعها الحيوي والفكاهي، ومن لوحاته الشهيرة في هذه الفترة «فلاحون أمام النزل» التي رسمها في 1656.

  • عفوية

مشهد بسيط في البلد بعيد عن نشاز التجارة الصاخبة في المدينة يضم سكان قرية ريفية يتابعون شؤونهم اليومية، هو مشهد من الريف الهولندي في ضواحي قرية لا تختلف كثيراً عن القرى التي انتشرت في هولندا في القرن السابع عشر. المبنى الذي نقترب منه هو نزل، يتوسط قلب القرية، ويظهر فيه أشخاص عدة، تجمعوا من دون تخطيط مسبق، هذا الجمع يبدو متناغماً في ألفته، حيث يمارس الجميع شؤونهم بعفوية ظاهرة على ملامحهم، المبنى بحد ذاته هو مبنى بسيط، ليس فيه الكثير من الزينة، ولكن الناس هم الذين يمنحون هذا البناء الراسخ حيويته وقوته.

في مقدمة المشهد، نرى زوجين يرقصان بحيوية تامة (لاحظ الرجل يرفس بكعبيه) على صوت الموسيقى التي يعزفها شخص وحيد خلف الزوجين مباشرة. وخلف الزوجين والعازف تظهر فتاة صغيرة تنظر إلى الزوجين، ربما كانا والديها، ويبدو أنها تبتسم لهما فيما تراقبها الجدة التي تمسك بيدها، لأنها تراقبها شخصية الجدة التي تمسك بيديها، وربما تتأرجح هاتان اليدان على أنغام مرحة ترافق العزف.

وإلى اليمين نرى رجلا يدخن غليوناً أثناء التقاطه لإبريق كبير من الشاي، وعلى يسار هذا الرجل، ينشغل زوجان في محادثة، الزوج يمسك زوجته بطريقة مازحة، ويبدو أنها تدفعه بعيداً، وهي تضحك، كأنها تقول «أوه من فضلك». ويتناقض هذا الجانب من العمل بشكل صارخ مع الجانب الأيسر من المشهد، الذي يلفّه غموض وتكتّم إلى حد ما، ويبدو الشخص الوحيد الذي يجلس على الطاولة ضائعاً في متاهة التفكير، وربما أنه يفكر في أشياء رائعة، بينما ينام كلبه بهدوء تحت الطاولة ضائعاً في أحلامه.

وخلف الرجل نشاهد ثلاثة أشخاص، رجلين وامرأة، منهمكين في محادثة، يبدو أنها جادة، وذات صلة بالأحداث الجارية في ذلك اليوم، بينما يوجد اثنان في الأعلى على الشرفة منحنيين حول ما يبدو لعبة دارجة وشهيرة.

هذا المزيج من الأشخاص، وهذا التنوع في دراسة الحالات النفسية للمجاميع، يؤكد حرفية الرسام الذي قدم عملاً فريداً، يوازن بين جمال الطبيعة الهادئة التي تستبطن أحوال الشخوص الغامضة للإنسان والحياة بوجه عام.

  • حيوية

في نظر نقاد اليوم، اللوحة هي مثال لشريحة تظهر جانباً من حقبة زمنية غابرة، ولا يتم تجاهل الطبيعة هنا، التي يتم رسمها بصورة واقعية، لاحظ الشجرة في مركز المشهد –تقريباً- تبدو أوراقها حيوية ويانعة، ويعزز هذا الإحساس الطريقة التي يضرب بها ضوء الشمس جذع الشجرة فيولد إحساساً بالضوء والإشراق، والسماء تبدو حيّة مع حركة السحب، وثمة شعور بلطافة النسيم، والعمل بوجه عام ينبض بالحياة، ويبدو أن الفنان يان ستين، قد وصل إلى القمة في هذا العمل الذي يشي بالحياة والحركة التي تنفجر من عمق لوحة باذخة في التصوير والتي تبث طاقة إيجابية لا مثيل لها.

في عام 1648، أسس يان ستين وجابرييل ميتسو نقابة الرسامين في ليدن، وقد عمل مساعداً لرسام المناظر الطبيعية يان فان جوين (1596–1656)، وتزوج مارغريت ابنة فان جوين، وأنجب منها ثمانية أطفال، وقد برزت نتاجاته الفنية تزدهر في السنوات ما بين 1656 و1670، وبعد وفاة زوجته في 1669 عاد ستين إلى ليدن مسقط رأسه، حيث مكث بقية حياته، وفي إبريل/ نيسان 1673 تزوج مرة أخرى من ماريا فان إيغمونت، وأنجبا طفلين، وفي عام 1674 أصبح رئيساً لنقابة القديس لوقا.

وفي ليدن، التقى فرانس فان ميريس وأصبحا صديقين، كان ميريس رساماً لمشاهد الطبقة الثرية، فأثر ذلك في يان ستين لينجز أعمالاً تتسم بالرشاقة والأناقة، وفي عام 1669، توفيت زوجته، وفي العام التالي توفي والده، وفي 1670 عاد مرة أخرى إلى ليدن حيث مكث بقية حياته.

  • مسرح

في نظر النقاد، تميزت أعمال ستين بالفخامة والجمال، كما اتسمت شخصيات أعماله بالمرح، وكانت أقرب إلى الشخصيات المسرحية، وليست الواقعية، وكانت الحياة اليومية، هي الفكرة التصويرية الرئيسية ليان ستين، ومعظم لوحاته كما «عيد القديس نيكولاس» مفعمة بالحيوية، وبعضها يحمل إشارات عدة من الأمثال أو الأدب الهولندي القديم، وكان غالباً ما يستخدم أفراد عائلته كنماذج في الرسم، كما رسم نفسه في لوحات عدة، لم يظهر فيها أي ميل لحب الذات أو الغرور.

وعدا ذلك، فقد رسم يان ستين، مشاهد تاريخية، وأسطورية، ودينية، وصور شخصيات ومشاهد طبيعية عدة، وله كذلك سلسلة من الصور الشهيرة للأطفال، وهو معروف بإتقانه لاستخدام الإضاءة في المنظر التصويري في لوحات بالغة الدقة ومفعمة بثراء التفاصيل.

تميز ستين بغزارة إنتاجه، وقدّر الخبراء نحو 800 لوحة له، نجا منها نحو 350 فقط، وقد قوبل بتقدير كبير معاصريه، ونتيجة لذلك حصل على أجر جيد مقابل أعماله، وكان بحق بمثابة مصدر إلهام للعديد من الرسامين من بعده.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/58r9uc9j

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"