ليبيا.. الانتخابات وخارطة الطريق

00:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. إدريس لكريني

وسط أجواء من الانقسام والصراع على السلطة في ليبيا تحاول الأمم المتحدة وضع خريطة طريق جديدة تسمح بتجاوز حالة الجمود الحالية، وتوفر أجواء من الثقة بين الفرقاء الليبيين، بما يتيح تحقيق توافق بشأن عدد من القضايا الأساسية التي تتعلق بالمستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد.

 لا تخفى أهمية الإعلان عن وقف إطلاق النار الذي توصل إليه الفرقاء الليبيون في عام 2020، والذي كان بالإمكان أن يشكل فرصة لاعتماد مزيد من مبادرات الحوار والتوافق بشأن استكمال العملية السياسية، وبناء المؤسسات، وعمل مقاربة شاملة لعدد من المشكلات السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والعسكرية انسجاماً مع قرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن، واستجابة لرغبة الليبيين في وطن آمن وموحّد.

مثّل عقد اتفاق الهدنة منطلقاً لاتخاذ مجموعة من اللقاءات بين الفرقاء الليبيين في إطار تهييء الأجواء لتنفيذ خارطة طريق تسمح بمنع التدخلات الخارجية في شؤون البلاد، وإنهاء وجود الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية، وبناء جيش وطني موحّد.

 وفي هذا السياق تم إحداث حكومة الوحدة الوطنية كخطوة وازنة حظيت بثقة الهيئة التشريعية الليبية، غير أن أداءها لم يكن في حجم التحديات المطروحة والانتظارات الشعبية، بالنظر إلى الصعوبات الميدانية التي رافقت عملها.

  وقد أثار القانون الانتخابي جدلاً وخلافاً كبيرين داخل ليبيا بين من رأى فيه مدخلاً لإرساء دولة المؤسسات، وبين من اعتبره يخدم مصالح بعض الفرقاء؛ إذ شكّلت سياسة شدّ الحبل بين البرلمان وحكومة الوحدة الوطنية في هذا الشأن عاملاً أساسياً أدى إلى عرقلة تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية في أواخر 2021.

 وهو ما أفضى إلى تكريس انقسام السلطة والمؤسسات من جديد ببروز حكومتين، واندلاع بعض مظاهر العنف التي أفرغت كل الجهود المبذولة من أهميتها، وعمّقت الخلافات بشأن عدد من الملفات والقضايا التي تهم مستقبل البلاد، وعلى رأسها مضامين الإطار القانوني للعمليات الانتخابية، وتاريخ إجرائها، وسبل انتخاب رئيس البلاد وصلاحياته.

  تنطوي الانتخابات على أهمية كبرى باعتبارها آلية لتجدّد النخب، وتداول السلطة بشكل سلمي، وهي تكتسب أهمية خاصة في السياق الليبي باعتبارها مدخلاً يراهن عليه الكثير من الليبيين لتوحيد الصف والانكباب على عدد من القضايا الاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية التي تهم مصالح البلاد.

  ولذلك لا يمكن قراءة أهمية هذه الانتخابات إلا في سياق استكمال المؤسسات وتوحيد البلاد انسجاماً مع قرارات الأمم المتحدة، ومخرجات اتفاق الصخيرات؛ إذ ينظر الكثير من الليبيين إلى هذه العملية كجسر أساسي لتجاوز عدد من الإشكالات العالقة التي ظلت تعرقل مسار التداول السلمي للسلطة، وتحقيق التنمية.

  لم تؤدّ آخر انتخابات شهدتها البلاد في عام 2014 إلى نتائج إيجابية بالنسبة للمشهد السياسي بالنظر إلى الرفض الذي قوبلت به قواعدها ونتائجها من قبل بعض الفرقاء، علاوة على استمرار التدخلات الأجنبية التي كرّست الانقسامات والخلافات. كما لم يسمح التأجيل الحاصل في توقيت العملية الانتخابية بتذليل الخلافات القائمة بين الأطراف المتصارعة على السلطة داخل البلاد. وهو ما يجعل رهان استقرار هذا البلد المغربي محفوفاً بالمخاطر والتحديات.

  وبوضع المشاكل التي تعيشها البلاد على شتى الواجهات في الاعتبار لا يمكن إنكار أهمية هذا الاستحقاق في إعادة الأمل إلى الليبيين، غير أن بلورته ميدانياً يصطدم بمجموعة من الصعوبات والتحديات في ظل واقع الانقسام الحاصل في السلطة، ووجود مواقف متباينة بين الأطراف المتصارعة إزاء عدد من القضايا، ومن هذا المنطلق فالرهان ينبغي ألا ينصب على مرور هذه الانتخابات من الناحية الشكلية فقط، بل يفترض أن يتم التركيز على الشروط، والضوابط، والظروف التي تحيط بهذه العملية من حيث توفير مناخ من الثقة بين الفرقاء السياسيين، وتوافقهم بشأن الإطار القانوني الذي يؤطر هذه العملية.

  تمرّ ليبيا اليوم بمرحلة صعبة تقتضي الاستفادة من أخطاء الماضي باستحضار مصالح البلاد على حساب المصالح الضيقة، وإرساء الثقة بين الفرقاء، والوعي بأهمية هذه العملية في نقل البلاد نحو برّ الأمان والاستقرار؛ ذلك أن تنظيم الانتخابات في أجواء سليمة وفي إطار من الحوار والثقة يمكن أن يساعد في إنهاء حالة الانقسام القائمة، ويسهم بشكل ملحوظ في بناء المؤسسات وتوحيد البلاد، بل أيضاً في تحصين الذات بما يكفل الحدّ من الضغوطات الخارجية التي تحركها الرغبة في تكريس عدم الاستقرار بالبلاد خدمةً لمصالحها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc672hb5

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"